اللغة العربية - الثانية باك آداب وعلوم إنسانية

تجديد الرؤيا - نموذج شعري 2-2
سربروس في بابل (بدر شاكر السياب)

 

 

الأستاذ: حسن شدادي

 

الفهرس

 

I- النص

II- تمهيد

III- دلالة العنوان

IV- فرضية النص

V- قضية النص

VI- تحليل النص

1-6/ المعجم الشعري

2-6/ الإيقاع

3-6/ الصور الشعرية

4-6/ الأسلوب

VII- تركيب وتقويم

 


I- النص

 

سربروس في بابل

 

II- تمهيد

 

عرف الشعر العربي الحديث تحولا كبيرا، حيث لم يقف هذا التطور عند ما قام به شعراء تكسير البنية على مستوى الشكل، بل واصل حركيته ليثمر ما سمي بشعر الرؤيا، الذي ركز على المضمون وشكل موقفا جديدا من العالم والأشياء، إلى حد صار فيه شعر الحداثة رؤيا عند شعرائه؛ أي أنها التقاط شعري وجداني للعالم يتجاوز الظاهر إلى الباطن، ويتجاوز حدود العقل وحدود الذاكرة والحس ليخلق عوالم جديدة تنصهر فيها تجربة الشاعر باعتباره مبدعا والمتلقي باعتباره مشاركا له في تجربته. حيث ساهمت مخيلة الشاعر وغنى موهبته وقدرته على إعادة تشكيل الواقع، وبذلك تخرج اللغة عنده عن نمطها التقليدي في الوصف والتعبير، وتصير ذات حمولة دلالية وتعبيرية تكسب الألفاظ شحنات رمزية تتجدد معها المعاني من قارئ إلى آخر، يقدم فيها الشاعر تجربته ورؤاه الشعرية الواسعة في تأمل الحقائق. لأنه يعبر عن واقع غير مألوف بلغة غير مألوفة تقوم على الهدم والغموض، وهكذا تصبح الرؤيا قيمة جوهرية في الشعر تمكن الشاعر عبر اللغة من التعبير عن رؤيته للوجود ونسج عالم خاص يمتزج فيه الرمز بالأسطورة، والواقع بالخيال، والمحدود باللانهائي. وقد برع شعراء كثر في هذه المدرسة الشعرية نذكر منهم: عبد الوهاب البياتي، وأدونيس، ويوسف الخال، وأمل دنقل، ومحمد بنيس وبدر شاكر السياب الذي يعد من رواد قصيدة الرؤيا، يعبر شعره عن تجربة متأثرة بذات شخصية وقومية كسيرة، تأمل الشفاء والانبعاث.

 

III- دلالة العنوان

 

يتألف عنوان القصيدة من الناحية التركيبية من جملة اسمية بسيطة تتكون من مبتدأ ("سربروس") وشبه جملة (في بابل) المتعلقة بخبر محذوف تقديره موجود. ودلاليا يتكون العنوان من رمزين اثنين:

  • "سربروس": يحيل على أسطورة كلب له ثلاثة رؤوس ينفث السم له ديل تنين، يحرس مملكة الموت أو العالم السفلي وهي أسطورة ترتبط بالثقافة اليونانية.
  • بابل: يحيل على رمز يمتح من المكان، ويرتبط بالحضارة العراقية.

 

IV- فرضية النص

 

وانطلاقا من الدلالة العامة للعنوان، ومن بعض المشيرات الأخرى كصاحب النص الي عايش الشعر الحر منذ ولادته= تكسير البنية إلى نضجه= تجديد الرؤيا، وخاصة في مراحل حياته الأخيرة المعروفة أدبيا بالمرحلة التموزية، ومن الشكل الطباعي، وتردد بعض الرموز الأسطورية في ثنايا أسطره (تموز- عشتار- بابل- سربروس..)  يتضح أن النص ينتمي إلى شعر تجديد الرؤيا. لكن إذا اعتبرنا أن "سربروس" يرتبط بعالم الدمار والموت، وتموز وعشتار يرتبطان بالخصب والنماء والتجدد، فهل اتخذ الشاعر من كل هذا قناعا للتعبير عن رؤيا تتراوح بين اليأس والأمل/ الموت والحياة؟

 

V- قضية النص

 

يأمر الشاعر بنوع من التحدي "سربروس" بتهديم بابل وإلحاق الأذى بأهلها (16-1)، ويعبر عن تمنيه عودة تموز إلاه الخصب والنماء ليحيي العراق بعد موتها من جراء صنيع "سربروس" بها (21-17)، واصفا الخراب الذي تعرضت له العراق، ومستنكرا ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية (39-21)، مخبرا بإقبال عشتار عشيقة تموز وإلهة الحب التي استطاعت مواجهة "سربروس" من جديد ليلاحق عشتار ويلحق بها الأذى والدمار (46-40)، ويسجل عودة سربروس من جديد ليلاحق عشتار ويلحق بها الأذى والدمار (52-47)، وفي الأخير يستهزئ الشاعر من ""سربروس"" الذي لن يستطيع القضاء على عشتار رمز الحياة والنماء (56-53).

تبقى هذه الدلالات محدودة المعنى إذا لم نربطها بطابعها الرمزي الإيحائي، هكذا يظهر أن بابل هي رمز لكل مكان حضاري عريق صار مليئا بمظاهر الخراب والدمار، و"سربروس" رمز لقوى الشر التي تعمل جاهدة على نشر الخراب لتحقيق مصالح خاصة، أما عشتار وتموز فهما رمزا قوى الخير الهادفة إلى نشر الحياة، وإن خاضت صراعا حادا رغم قوتها المحدودة، لكن يمكنها أن تتقوى عبر اعتناقها قيم الاتحاد والتعاون "عشتار وتموز" مما يفسح المجال لانتصارها.

 

VI- تحليل النص

 

1-6/ المعجم الشعري

وبالانتقال إلى المعجم ـيمكننا تصنيفه إلى حقلين دلاليين أساسيين، وفيما يلي جرد لأهم الألفاظ والعبارات الدالة عليهما، وطبيعة العلاقة القائمة بينهما؛ الأول حقل دال على الموت ويمثله المعجم التالي: (سربروس- الردى- النيوب- الجحيم- الأشداق الرهيبة- ينوح- يعو- ينبش ....) والثاني حقل دال على الحياة، وتمثله الألفاظ التالية: (عشتار- تموز- الضياء- الحياة- ستخصب- سينبت- سيولد....).  يتضح إذن من خلال هذا الجرد أن هناك نوعا من التوازن بين الحقلين كميا، غير أن العلاقة بينهما قائمة على الصراع والتنافر، لأنهما ضدان لا يلتقيان؛ فالموت دليل حقيقي على انتهاء الحياة. وارتباطا بالنتيجة التي آلت إليها رؤيا الشاعر نستطيع القول بأن العلاقة سببية لأن الموت سبب في انبثاق الحياة.

والملاحظ أن النص افتتح بلحظات الحزن والألم واختتم بلحظات الخصب والنماء، وهذا دليل على أن رؤيا الشاعر قائمة على الانتصار للحياة وتحدي الموت.

 

 

2-6/ الإيقاع

أما فيما يخص الجانب الإيقاعي، فقد عمل الشاعر من ناحية الإيقاع الخارجي على تكسير نظام البيت وأقام مقامه نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة الحجم والكم والذي يفرز جملا شعرية خاضعة لنفسية الشاعر مما يترتب عنه مقاطع شعرية تحدها بعض الأسطر الشعرية (ليعو سربروس في الدروب). كما لجأ إلى تنويع الروي بين الباء والراء والميم، فضلا عن الاختلاف والتنوع في القافية، الذي يظهر في المزاوجة بين القافية المتتالية (س1و2، س7و8 س12و13). والمتراكبة (س1و5، س4و6، س35و39)، واعتماد تفعيلة بحر الرجز (مستفعلن). وهذه المقومات وإن كانت مختلفة عن معمارية القصيدة التقليدية فهي قريبة من خطاب تكسير البنية على مستوى الإيقاع.

 

 

3-6/ الصور الشعرية

وإذا انتقلنا إلى الناحية الفنية نجد القصيدة برمتها صورة كلية تعكس رؤيا الشاعر، ويتم بناؤها تدريجيا تتظافر من خلالها مدركات حسية وشعورية لتنقل صورة الوحش الأسطوري الإغريقي= المستعمر الغربي المتوحش، وهو يعيث فسادا في بابل المدينة العراقية القديمة= الشرق عموما. وهذه الصورة الكلية تتخللها صور جزئية ومركبة، ويمكن التمييز فيها بين صور فنية ذات أساس بلاغي، كما هو الشأن مع: الاستعارة: (يولد الضياء- يشرب القلوب- يميت الإله- بابل الحزينة- في السماء قوة تدبر...) والتشبيه: عيناه نيزكان- تلمه في سلة كأنه التمر... وصور فنية ذات طابع إيحائي تتمثل في الرموز الأسطورية: سربروس= رمز الشر والفساد والظلم وبابل= رمز لكل فضاء أو حضارة مزدهرة نالتها أيدي التدمير، ثم تموز وعشتار وهما من الأساطير الفينيقية ويرمزان لكل قوى البعث والحياة والتغيير المتحدة للتغيير. إضافة إلى الطابع الإمتاعي تمنحنا صورة عن وافع المعاناة التي يعيشها الفضاء الأسطوري (بابل) بفعل الصراع بين قوى متضادة.

في هذا النص رأينا الصورة وقد هجرت مهمتها القديمة كدعامة وتزيين لدلالة الموضوع لتصبح عند الشاعر مصدرا للخلق الدلالي داخل تعقد النسيج الشعري، كما أضافت إلى مكوناتها عناصر جديدة استلهمتها من الثقافة الإنسانية عبر الغوص في أعماق التاريخ والعقل الإنسانيين.

 

 

4-6/ الأسلوب

أما الأساليب فنلاحظ حضورا للأسلوب الخبري في النص (س2و3و6و8و2..) يعبر عن وضع مأساوي تعيشه بابل متمثلا في قوة الصراع بين قوى الخير وقوى الشر مما أفضى إلى الدمار والمأساة. ويحضر الأسلوب الإنشائي أيضا ممثلا في الأمر (ليعو سربروس..) ويفيد السخرية والاستهزاء. والتمني (لو ينثر البيادر... لو يفجر الرعود..) ويعبر عن الأحلام التي لم تتحقق في واقع خرب ما زال ينخره الفساد. والاستفهام (ما التمر؟ أكانت الحياة..) وقد خرج إلى الانكار فأفاد التعجب والتهكم.

 

VII- تركيب وتقويم

 

يحقق النص انتماءه إلى خطاب تجديد الرؤيا لأنه نص اشتغل على قضايا إنسانية من منظور أسطوري (فضاء أسطوري =بابل. وشخصيات أسطورية= سربروس+ عشتار+ تموز) وقد اعتمد النص على لغة بسيطة لكنها مليئة بالإيحاءات، وعلى بنية إيقاعية جديدة ومتميزة عن الخطابات التقليدية وعلى صور شعرية تتراوح بين البلاغة والرموز كوسيلة تعبيرية يبلغ بها الشاعر رؤياه فيما يخص واقعه، وعلى أساليب لغوية تمزج بين الخبرية والإنشائية.