قد لا نجانب الصواب إذا قلنا بأن وجود منهجية واحدة جامعة مانعة يمكن اعتمادها في التعامل مع النص الفلسفي أو القولة الفلسفية أو السؤال الإشكالي المفتوح أمر جد متعذر إن لم يكن من قبيل المستحيل. كل ما هنالك إذن عبارة عن جملة من الاقتراحات والخطوات المنهجية والتي تتقارب فيما بينها حينا وتتباعد حينا آخر تبعا لعدة عوامل منها على سبيل التمثيل تباين وجهات النظر وطرق التفكير واختلاف المرجعيات المعرفية والمشارب المنهجية و التجربة المهنية ...

ففي هذا الصدد تندرج المنهجية التي نقترحها هنا، إذ هي لا تتوخى بأي حال تقديم نفسها على أنها نهائية أو كاملة شاملة. فهي لا تعدو عن أن تكون مجرد تركيب منظم لمجموعة من الخطوات العملية الممنهجة والهادفة بالأساس إلى الأخذ بيد التلميذ في سبيل إنجازه للمطلوب منه في امتحان الباكالوريا في مادة الفلسفة وفق ما هو مسطر في أدبيات وزارة التربية الوطنية ( وعلى رأسها المذكرة رقم 159 الصادرة بتاريخ 16 ذو الحجة 1428 / 27 دجنبر2007.

هكذا جاءت هذه الورقة متضمنة من جهة أولى للخطوات المقترحة للتعامل مع النص الفلسفي ثم القولة الفلسفية وأخيرا السؤال الإشكالي المفتوح، ومن جهة ثانية لبعض الإرشادات حول ما يمكن القيام به وما يجب تفاديه بناء على تجربتنا في تصحيح مواضيع امتحان الباكالوريا، ومن جهة ثالثة لبعض النماذج التمثيلية حتى نقرن الفعل بالقول ونكون عمليين ولا نبقى نظريين فقط.

 

الـــنــص للـتــحلـيـل والـمـنــاقــشــة

مواصفاته

من المفترض / المفروض أن يكون النص فلسفيا أو ذا طابع فلسفي، يتضمن إشكالية فلسفية أو موقفا فلسفيا تجاه إشكالية أو فكرة ما. يتصف بالوحدة والتماسك ويرتبط بمواضيع البرنامج المقرر، يحيل على مفهوم فلسفي واحد أو أكثر، بل وقد يحيل جزئيا أو كليا على مجزوءة واحدة أو أكثر، يتراوح حجمه بين 10 و15 سطرا. وسيكون مذيلا بعبارة تحيل على مطلبي التحليل والمناقشة.

منهجية التعامل معه

بعد قراءة النص قراأت عديدة جيدة هادفة إلى استيعاب مضمونه و كذا قراءة العبارة المذيلة له والسعي لاستجلاء المطلوب منا عبرها، يجب تشغيل المسودة لتدوين كل ما خطر ببالنا وانجلى في ذهننا مما أوحته قراءتنا للنص والعبارة الواردة تحته. وبعد ذلك علينا أن نرسم خطاطة عامة لما سيكون عليه إنشاؤنا وذلك – استئناسا – وفق الخطوات المنهجية التالية:

المقدمة

و يمكن أن تتضمن:

موضعة النص

أي تأطير النص (موضوع الامتحان) وذلك من خلال ربطه بمجزوءة أو مجزوءتين أو أكثر وكذا ربطه داخل هذه المجزوءة أو تلك بمفهوم (باب) أو مفهومين (بابين)، بل ويمكن ربطه بمحور أو محاور داخل هذا الباب (المفهوم) أو ذاك، شريطة أن تكون هناك قرائن ومؤشرات (مفاهيم/عبارات/تساؤلات...) تصل – إما تصريحا أو تلميحا – موضوع نص الامتحان بهذه المجزوءة أو هذا الباب (المفهوم) أو هذا المحور أو غيره... و إلا كان تأطيرنا متعسفا وقد يخرجنا عن الموضوع.

الطرح الإشكالي

ويتحدد في الكشف من خلال النص عن الأسئلة الصريحة أو الضمنية التي يسعى النص للجواب عنها ومن خلال العبارة المذيلة له عن المطلوب منا القيام به. ثم – انطلاقا من ذلك – صياغة إشكالية (جملة من التساؤلات) ننتقل فيها من العام (المثار في الدرس: المجزوءة/الباب/المحور) إلى الخاص (المثار في النص موضوع الامتحان والعبارة المذيلة له) وذلك دون مبالغة أو تقصير.

العرض

ويجب أن يتضمن شقين وهما التحليل والمناقشة.

التحليل

ويتضمن مجموعة من العمليات تنصب كلها على التعامل مع النص من داخله، نذكر منها أساسا:

  • تحديد وتحليل الفكرة الأساسية الموجهة والناظمة للنص أي الأطروحة التي يعرض لها النص أو يتبناها و يدافع عنها.
  • تحديد وتحليل باقي الأفكار الجزئية الشارحة لأطروحة النص والمتمحورة حولها.
  • تحديد وتحليل المفاهيم الأساسية للنص بالكشف عن دلالاتها و إبراز علاقاتها وتقابلاتها مع بعضها البعض ومختلف تقاطعاتها فيما بينها وكذا ربطها بمجالاتها النظرية...
  • الكشف عن طريقة أو طرق النص في عرض أطروحته وإثباتها والدفاع عنها (أو ما يسمى أحيانا بالبنية الحجاجية للنص.)
المناقشة

ويمكن أن تتضمن شقين: النقد الداخلي والنقد الخارجي.

النقد الداخلي: النظر في مدى تماسك البناء المنطقي للنص أي مدى الانسجام الحاصل أو المنعدم بين المقدمات المنطلق منها تصريحا وتلميحا والنتائج المتوصل إليها الظاهرة منها والمضمرة.
الوقوف على مدى قوة أساليب الإقناع المعتمدة في النص من أدلة وبراهين وأمثلة واستشهادات...

النقد الخارجي: الكشف في الدرس (أو فيما لدينا من معارف) عن الأطروحة أو الأطروحات التي تساند أطروحة موضوع الامتحان أو تعارضها إن كليا أو جزئيا دون تعسف وذلك من أجل مناقشة هذه الأطروحة من حيث قيمتها و حدودها.

الخاتمة

وهنا يمكن اختيار إحدى الصيغ الثلاث الآتية:

  • إما الخروج بخلاصة تركيبية منسجمة مع منطق التحليل والمناقشة، وتمكن – إن طلب منا ذلك – من إبداء الرأي الشخصي بشيء من المرونة والانفتاحية والاحترام للرأي الآخر إيمانا بمحدودية المعارف و نسبية الحقيقة.
  • أو تحويل نتائج التحليل والمناقشة السابقين إلى تساؤلات إشكالية تنفتح على آفاق للتفكير أكثر رحابة بهدف تعميق معالجة الموضوع المطروح ومواصلة تدارسه.
  • أو الجمع والمزاوجة بين الخلاصة التركيبية من جهة والطرح الإشكالي من جهة ثانية دون أن تتحول الخاتمة إلى اجترار وتكرار لما سبق تناوله وعرضه أثناء التحليل والمناقشة.

 

الـــقـــولـــة – الـــســـؤال

مواصفات القولة والسؤال

تتميز القولة بالتركيز والكثافة وقصر الحجم. وهي ترتبط بمواضيع البرنامج المقرر إذ تحيل على مفهوم فلسفي واحد أو أكثر من مفاهيم المجزوءة، كما أنها يمكن أن تحيل على مجزوءة واحدة أو أكثر. وهي مذيلة بسؤال إشكالي أو مطلب مزدوج يحيل في مستواه الأول على مضمون القولة (الفهم والتحليل)، وفي مستواه الثاني على قيمتها وأبعادها (النقد والمناقشة).

منهجية التعامل معها

علينا قراءة القولة مليا والعمل على فك إدغامها بالوقوف على منطوقها من جهة والمسكوت عنه فيها من جهة ثانية، خاصة وأن ما تضمره القولة يؤسس لما تظهره إذ هي نتيجة لمقدمات استدلالية حجاجية غائبة – أو مغيبة – ينبغي الكشف عنها واستدعاؤها بغية امتلاك مضمونها و استيعابه.

كما علينا أن نفهم المطلوب منا عبر السؤال الإشكالي أو المطلب المزدوج المذيل لها بهدف رسم خطاطة أو تصميم لما سيكون عليه إنشاؤنا مسترشدين بالخطوات المنهجية التالية:

المقدمة

موضعة القولة

أي تأطير القولة (موضوع الامتحان) وذلك من خلال ربطها بمجزوءة أو مجزوءتين أو أكثر وكذا ربطها داخل هذه المجزوءة أو تلك بمفهوم (باب) أو مفهومين (بابين) بل ويمكن ربطها بمحور أو محاور داخل هذا الباب (المفهوم) أو ذاك، شريطة أن تكون هناك قرائن ومؤشرات (مفاهيم/عبارات/تساؤلات...) تصل – إما تصريحا أو تلميحا – موضوع /مضمون القولة بهذه المجزوءة أو هذا الباب (المفهوم) أو هذا المحور أو غيره... وإلا كان تأطيرنا متعسفا وقد يخرجنا عن الموضوع.

الطرح الإشكالي

ويتمثل من جهة في إبراز المفارقات الإشكالية التي تتضمنها القولة بشكل صريح أو ضمني، ومن جهة ثانية إدراك مجال السؤال المرفق بالقولة من حيث حدوده وترابطاته والرهانات التي يعرض لها في علاقته بالقولة. وهو مبدئيا لا يخلو من الإحالة على مطلبي الفهم (أو التحليل) والنقد (أي المناقشة.)

العرض

ويتضمن شقين وهما التحليل والمناقشة.

التحليل

ويتمثل في مجموعة من العمليات نذكر منها بالأساس:

  • تحويل منطوق القولة ومضمونها (أي الأطروحة المتضمنة فيها) إلى اللغة الخاصة للمترشح (التلميذ) عبر عمليات / أفعال الشرح والتفسير والتوضيح والتحليل والتوسع...
  • تأويل دلالتها من خلال التركيز على أهم المصطلحات والمفاهيم المركزية التي تؤسسها مع ربط هذه المفاهيم والمصطلحات بسياقها الإشكالي ومجالها التداولي وحقلها الدلالي ومختلف إيحاأتها وإحالاتها المرجعية الضمنية والصريحة.
  • تحليل موقف صاحب القولة بالوقوف عند الحجاج الذي تفترضه والذي يمكن من إعادة بنائها مع تدعيمه استدلاليا ومعرفيا من خلال استحضار الأطروحة أو الأطروحات المساندة له مما سبقت دراسته.
  • مساءلة موقف صاحب القولة بهدف تأزيمه و محاصرته تمهيدا لمناقشته.
المناقشة

وتتمثل في النقد بشقيه الداخلي والخارجي

النقد الداخلي: يتجلى أساسا في إبراز حدود صلاحية وسداد وتماسك وكفاية الموقف المتضمن في القولة مع الوقوف على النتائج غير الظاهرة في منطوقها والتي ينبغي استنباطها استنادا على قرائن ومؤشرات معينة (كالمفاهيم و الأفكار مثلا) لمعرفة رهاناتها في الحال والاستقبال.

النقد الخارجي: يتمظهر في استحضار الأطروحة أو الأطروحات النقيض/المضادة للأطروحة المتضمنة في القولة بعيدا عن المباغتة غير المبررة أو تصفيف الأطروحات الواحدة بجوار أو تلو الأخرى، وذلك بهدف المقارنة أو المقارعة وخلق نقاش بينها يطرح إمكانيات أخرى تفتح أفق التفكير في القولة دون تهاون ولا تحامل.

الخاتمة

ويمكن خلالها:

  • إما استنتاج خلاصة منسجمة مع عناصر التحليل والمناقشة السابقين.
  • أو الانفتاح على تساؤلات تتجاوز أطروحة القولة المدروسة والأطروحة أو الأطروحات النقيض لها في أفق التأسيس للأطروحة التركيب والتي تتجاوز نقائصهما معا.
  • أو المزاوجة بين الخلاصة التركيبية العامة من جهة والطرح الإشكالي التجاوزي من جهة ثانية بشكل ينسجم مع ما تم تناوله أثناء العرض دون تكرار أو اجترار وكذا دون حشو أو إقحام لما هو غريب عن القولة أو عن المطلوب منا تجاهها.

 

الــســؤال الإشــكــالــي الــمــفــتــوح

مواصفاته

السؤال الإشكالي المفتوح أو الحر لا يتخذ صيغة نمطية واحدة وإنما صيغا إشكالية متعددة. إذ يمكن للسؤال الإشكالي المفتوح أن يطرح مشكلة ما في صيغة استفهامية مباشرة أو أن يعرض لإحراج أو لبس أو مفارقة فلسفية، وقد يتضمن موقفا أو أطروحة أو أكثر إما تصريحا أو تلميحا ويطلب منا الكشف عن الظاهر والمضمر من خلال تحليله ومناقشته وفق لفظ الطلب (حلل/أوضح/أبرز/قارن/ناقش....)، وهو قد يحيل على مجال إشكالي لمفهوم واحد أو أكثر أو لمجزوءة واحدة أو أكثر.

منهجية التعامل معه

غني عن الذكر أنه ليس هناك تصور منهجي واحد يمكن اعتماده في التعامل مع السؤال الإشكالي المفتوح (الحر) نظرا لتباين صيغه ومطالبه. لذا فالأمر يتطلب اجتهادا وجهدا لا مناص منهما من طرف المترشح (التلميذ). ونحن هنا نقترح بعض الخطوات المنهجية المساعدة على مقاربة السؤال الإشكالي المفتوح والقابلة للتطوير والتطعيم والإغناء...

المقدمة

و يمكن أن تتضمن ما يلي:

  • موضعة السؤال أي تأطيره ضمن سياقه النظري العام و كذا ربطه بمجزوءة أو مجزوأت معينة وداخل هذه بباب (مفهوم) أو بابين (مفهومين) بل وربطه داخل هذه الأبواب (المفاهيم) ذاتها بالمحور أو المحاور التي يلامسها استنادا على مؤشرات وقرائن دالة على ذلك. و هذا من خلال إبراز القضايا والمفاهيم التي يحيل عليها في الدرس بهدف إبراز عناصر الإشكال ومختلف ترابطاتها في أفق إعادة صياغته و بنائه تمهيدا لمعالجته.
  • تفتيت وتفكيك السؤال الإشكالي المفتوح إلى أسئلة جزئية تلامس مختلف القضايا والمفاهيم التي يظهرها أو يضمرها منطوق السؤال.
  • الترتيب المنهجي المنطقي للأسئلة بشكل تنازلي ننطلق فيه من العام إلى الخاص أو من الكلي إلى الجزئي، أي من إشكالية المجزوءة أو المجزوأت التي يحيل عليها السؤال الإشكالي المفتوح إلى السؤال الصريح المطروح بالذات مرورا بالتساؤلات التي تثيرها مختلف المفاهيم والمحاور التي يلامسها هذا السؤال.

العرض

ويجب أن يتضمن لحظتين وهما التحليل والمناقشة.

التحليل

ويتحقق من خلال عدة عمليات منها على سبيل التمثيل لا الحصر ما يلي:

شرح وتوضيح المفاهيم والمصطلحات الواردة في السؤال بشكل صريح وكذا التي يلمح إليها أو يحيل عليها ضمنيا.

استحضار المعرفة الفلسفية الملائمة أي مختلف الأطروحات التي عالجت الإشكال المطروح، وهنا يجب مراعاة ما يلي:

  • عدم التقصير أو المبالغة في اختيار المادة المعرفية الموظفة للجواب على الأسئلة التي طرحناها أثناء التقديم.
  • خلق حوار افتراضي بين مختلف الأطروحات المستحضرة عوض تصفيفها بجوار بعضها البعض.
  • توخي الموضوعية والأمانة العلمية وذلك بإيفاء كل الأطروحات حقها من التوضيح والمحاجة والتمثيل والاستشهاد دون إفراط ولا تفريط.
  • اعتماد البناء الحجاجي والمنطقي للمضامين الفلسفية مع تفادي الانتقال المفاجئ بين الأطروحات دون ربط منهجي لغوي منطقي بينها.
  • تفادي الحشو والإطناب والاستظهار الأمين للدرس.
المناقشة

ويمكن أن تتضمن:

  • قراءة نقدية للأطروحة أو الأطروحات المتضمنة احتمالا في نص السؤال الإشكالي بالوقوف على أهمية ورهانات الأجوبة المقترحة ونوعية الحجج الداعمة المعتمدة.
  • طرح إمكانيات أخرى تفتح آفاق التفكير في الموضوع–الإشكال وذلك من خلال عرض أطروحة أو أطروحات نقيض للأطروحة المدروسة بطريقة تنسجم شكلا ومضمونا مع ما قمنا به أو قلناه إلى الآن.

الخاتمة

ويمكن أن تكون وفق إحدى الصيغ الثلاث الآتية:

  • إما الخروج بخلاصة تركيبية منسجمة مع منطق التحليل والمناقشة السابقين إذ تستحضر الخيط الرابط بينهما وتمكن من إبداء الرأي الشخصي – متى طلب منا ذلك – بشيء من المرونة والدقة والانفتاحية والاحترام للرأي الآخر.
  • أو تحويل نتائج التحليل والمناقشة السابقين إلى تساؤلات إشكالية تنفتح على آفاق للتفكير أكثر رحابة بهدف تعميق معالجة إشكالية الموضوع المطروح.
  • أو المزاوجة بين الخلاصة التركيبة من جهة والطرح الإشكالي من جهة ثانية دون تعسف ولا إطناب.