ابن الرومي في مدن الصفيح - تقديم

تقديم

الفن المسرحي نشاط إبداعي قديم، بدأ بشكل ناضج عند اليونان، يقوم على التشخيص، و يستثمر اللغة إلى جانب الحركات والإشارات، و يتأسس على جملة من المكونات كالشخصيات و الفضاء و الجمهور، وما يتعلق بالنص و عناصر تهم العرض و أخرى مرتبطة بالتلقي.

اشتهر المسرح اليوناني بنوعين من المسرح:المأساة (التراجيديا)، و الملهاة (الكوميديا)، لكن المسرح فيما بعد تطور و تداخلت موضوعاته لتشمل قضايا اجتماعية و مشاكل يومية و مآس فردية و جماعية فألغيت الحدود بين الملهاة و المأساة لتؤسس الدراما الحديثة.

لم يكن لدى العرب مسرح بالمفهوم الذي ظهر عند اليونان، لكن الحياة العربية سجلت مشاهد و فنون و مواقف مرتبطة بشكل من الأشكال المسرحية مثل:خيال الظل و احتفالات الأعياد والمواسم التي استخدم فيها التشخيص بكل أبعاده، لكن الفن المسرحي المقعد انتقل إلى العالم العربي في بداية النهضة العربية مع الاتصال بالغرب عبر البعثات أو الاستعمار، فظهرت فرق في مصر و بلاد الشام اعتمدت نصوصا مترجمة في الغالب تم تطور المسرح العربي تدريجيا على مستوى التأليف و التشخيص حتى أصبح اليوم متأصلا متنوعا تتجاذبه تيارات متعددة. و تعتبر مسرحية ابن الرمي في مدن الصفيح محاولة من محاولات المسرح العربي في المغرب لإثبات الخصوصية العربية في التأليف و العرض في آن واحد.

أبرز خاصية يتميز بها المسرح أنه خطاب يتشكل من دلائل و رموز و علامات يتداخل فيها ماهو لغوي بما هو غير لغوي، و ماهو معرفي بما هو فني و جمالي، إضافة إلى الارتباط بالوهم و التخيل و اللعب في الإنجاز التمثيلي، لذلك يتشكل الخطاب المسرحي من عدة نصوص مختلفة متداخلة و متكاملة هي:النص الدرامي و النص السينوغرافي والنص المعروض و نص الجمهور.

المسرح الاحتفالي

نستند هنا، إلى بيان مجموعة الاحتفالية في مراكش الصادر سنة 1979 ثم إلى الشروح التي قدمها عبد الكريم برشيد نفسه في بعض كتبه التطرية و النقدية. وقد حصر مبادئ الاحتفالية في ما يلي:

  • تؤمن الاحتفالية، في المقام الأول، بأسبقية الحياة على الفكر. فالاحتفال فعل حيوي يحمل في ذاته إحساسه و فكره.
  • الاحتفالية تعادي السكون و الثبات كما تخرج من دائرة الإتباع و الاتفاق إلى أفاق الإبداع و الاختلاف.
  • تلتزم الاحتفالية بكل فكر تقدمي ينادي. مبادئ الحرية و العدالة و كرامة الإنسان.
  • الإنسان هو مالك حق التعبير الحر عن الرأي الحر في مجتمع يفترض أيضا أن يكون حرا.
  • الاحتفالية تتجنب ، قدر الإمكان ، السقوط في الايدولوجيا لكنها تعادي المادة و الآلية التي هي ضد أنسنة الإنسان.
  • تقبل الاحتفالية بالتجريب في الفن المسرحي و البحث و محاورة الذات و الثقافات الأخرى.
  • الاحتفالية هي لقاء حي مباشر، يقوم على الحوار و المشاركة بالإشارة و الحركة و الإيماء و الرقص و الغناء و التراتيل، لذلك فهي تحاول ل دائما إلغاء الحدود بين الجمهور و المنصة.
  • يجب أن تختزل الاحتفالية ثقافة بكاملها، فهي سلوك و آداب و غناء و رقص و أزياء و حناء و عمران و عادات و أهازيج و معتقدات وحكايات و أمثال و حكم مختلفة.

ويرى حسن المنيعي أن الاحتفالية ظهرت في المغرب في بداية السبعينات.دون أن تكون منقطعة الصلة مع واقع الفرجة في التراث العربي ومع بعض النظيرات الغربية. أمام مفهوم الاحتفال ، فهو لقاء حي تتواصل فيه الذوات ، و هو ثورة ضد المألوف و العادي تؤدي إلى << الإدهاش >> أي إلى إدراك المعرفي الذي يؤدي بدوره إلى التجاوز، تجاوز التناقضات القائمة في المجتمع و العمل على تغييرها (…) وهو بالأساس تطلع إلى المستقبل و حركة مستمرة تبدد كل ثبات و سكونية.

والاحتفالية تحقق هذا الغرض بعرض أفعال حيوية، تستلهم الحكايات و الأساطير و العادات و التقاليد و الاحتفالات الشعبية من أجل أن تعيد عيشها بطريقة جديدة، مخالفة بذلك صرامة المسرح الدرامي الذي << يحيي ما كان كأنه جلسة لتحضير الأرواح>>.

والاحتفالية، بوصفها تجربة معرفية، هي بمثابة ثورة مسرحية، لأنها تحول المسرح إلى مجال لمحاسبة التجربة المسرحية نفسها أو خلق ما يسمى بالمسرح داخل المسرح أي تحويله إلى تمسرح (théatralité). و قد عبر عبد الكريم برشيد أيضا عن حقيقة هذا التوجه الجديد الموسوم بإدراج الحس النقدي داخل الحركية المسرحية في تجاربه الخاصة.

والأهم من ذلك كله هو ضرورة تمييز الاحتفالية عن المسرح التأصيلي القومي الذي دعا إليه يوسف إدريس و علي الراعي و توفيق الحكيم، فلا وجود للاحتفالية في رأي عبد الكريم برشيد إذا ما كان هناك تقديس للتراث و وعي خاطئ بحقيقة الشخصيات التاريخية أو انسياق مع ثنائية النحن و الأخر. ينبغي للاحتفالية أن تؤكد حضور الذات الإنسانية العامة و علاقات الذوات الفردية داخل هذا الحضور الكوني، مع تأكيد الحق في الوجود و الاختلاف، و تكوين رؤية للعالم و تطوير الإبداع و التجربة. الخ

وعلى العموم، يمكن إعادة تلخيص ما أشرنا إليه بخصوص تحديد مفهوم الاحتفالية في ما يلي:

  • الاعتماد على عفوية اللقاء و الحوار بين الممثلين، و على المبادرات الآنية التي تأتي عفو الخاطر.
  • إبراز عنصر (الإدهاش) بابتكار أفكار و مواقف جديدة يكون لها دور في تقوية وغي الجمهور.
  • إبراز التناقضات الاجتماعية و العمل على تجاوزها بتغيير الواقع و استشراف آفاقه.
  • استلهام الاحتفالات الشعبية و الوقائع التاريخية و الحكايات و الأساطير و التقاليد، و توظيفها بمنظورات جديدة.
  • تجديد العرض المسرحي بخلق وعي الوعي داخل المسرح أي المسرح داخل المسرح.(مثال: ابن دنيال يمثل دور الحاكي بخيال الظل، لكنه فبل التمثيل يناقش و يعلق ما سيحدث فيه. و بعد اكتمال الأحداث يعود إلى التعليق من جديد).
  • تحطيم الحدود التقليدية الموجودة بين الخشبة و الجمهور (يدخل ابن الرومي من جهة الجمهور يجر عربة خيال الظل مصحوبا بابنته دنيازارد)