ظاهرة الشعر الحديث - تلخيص مكثّف

الفصل الأول: التطور التدريجي للشعر العربي

يبدأ الناقد الفصل الأول بالإشارة إلى أنّ تطوّر الشعر العربي رهين بتحقّق أمرين هما: الحرية، والانفتاح الثقافي، ويبرز أنّ الشرط الثاني كان متحققا في العصر العباسي وفي الأندلس، لكن حرية الشاعر كانت مقيّدة من قبل النقاد واللغويين الذين قيّدوا الشاعر بمجموعة من الأسس والأمور التي جعلته يبدع حسب شروط محددة. ويلفت الانتباه بعد ذلك إلى أنّ الشعر العربي الحديث عرف حركتين تجديديتين: هما حركة سؤال الذات التي أحدثت تغييرا نسبيا، وحركة الشعر الحديث التي قامت بتغيير جذري وعنيف.

وفي القسم الأول من الفصل الأول المعنون ب( نحو مضمون ذاتي) يبرز الناقد كيف أنّ مدرسة سؤال الذات أعادت الاعتبار لهموم الشاعر التي همّشتها مدرسة إحياء النموذج التي انشغلت بمحاكاة القدماء في لغتهم وأسلوبهم ومضمونهم، هذا المضمون الذي حرص شعراء سؤال الذات على التجديد فيه بجعله غنائيا ذاتيا، وتنقسم مدرسة سؤال الذات إلى مدارس ثلاثة:

مدرسة الديوان: أسهمت في نشوئها التحولات الاجتماعية في المجتمع المصري، والتلاقح الفكري مع الحضارة الغربية، وتقوم هذه المدرسة على فكرة أنّ الشعر وجدان، ويختلف مفهوم الوجدان من شاعر إلى آخر؛ فهو عند العقاد مزيج من الفكر والشعور، وعند المازني هو ما تفيض به النفس من عواطف، وعند شكري ينحصر في التأمل في الذات.
مدرسة الرابطة القلمية (المهجر): حاولت هذه المدرسة أن توسّع في مفهوم الوجدان لكن فشلت في ذلك، حيث انحصر شعر المنتمين إليها في الهروب إلى الطبيعة (جبران، نسيب عريضة)، والتأمل في الذات ( نُعيمة) والاعتصام بالخيال ( أبو ماضي) .
مدرسة أبوللو: يرى شعراء هذه المدرسة أنّ الذات هي مصدر الشعر، لذلك وجدناهم ينطلقون من تجاربهم الذاتية ليعبروا عنها، ونستحضر هنا ابراهيم ناجي الذي كان شعره نتيجة للظمأ إلى الحب، والشابي الذي كان مرضه وإحساسه بالنهاية سببا في ما أبدعه من شعرٍ، وكان فشل الصيرفي في الحب دافعا إلى إبداع أشعار يتغنى فيها بتجربته، كما سادت نبرة اليأس في أشعارهم وشاع الهروب إلى الطبيعة، وتغنوا بالمرأة الحلم.

إن إصرار شعراء التجربة الذاتية على اجترار نفس المضامين ، جعل اشعارهم تنحصر في دائرة واحدة، مما عجّل بنهاية التجربة.

وفي القسم الثاني، المعنون ب ( نحو شكل جديد) يبرز الناقد التجديد الذي عرفه الشعر الرومانسي على صعيد الشكل، فاللغة صارت ليّنة شفّافة بعيدة عن الفخامة والجزالة، أمّا الصورة فصارت نابعة من التجربة الذاتية ورؤية الحياة، أما الإيقاع فعمل الشعراء على التجديد فيه نسبيا من خلال المزج بين بحرين أحيانا وبين قافيتين أو أكثر.

الفصل الثاني: تجربة الغربة والضياع

يبرز الناقد في بداية الفصل أنّ هزيمة فلسطين وفّرت قدرا من الحرية لدى الشعراء، ساهم إلى جانب الانفتاح على بحار المعرفة في جعل الشاعر يثور على البنية التقليدية للقصيدة، وانطلق شعراء التجربة الحديثة من مفهوم جديد للشعر يعتبر الإبداع وسيلة لاكتشاف الإنسان والعالم، لذلك اقتنعوا بأن المضامين الجديدة تحتاج إلى شكل جديد، ومن أبرز هذه المضامين تجربة الغربة والضياع التي أسهمت في ظهورها عوامل متعددة على رأسها: التأثر بقصيدةة إليوت (الأرض الخراب)، والتأثر بأعمال بعض الروائيين والمسرحيين الوجوديين، وعامل المعرفة، إضافة إلى تربة الهزيمة التي ترعرع فيها هذا الشعر.

ولتجربة الغربة والضياع تجليات متعددة أشهرها: الغربة في الكون، والغربة في المدينة، والغربة في الحب، والغربة في الكلمة…

وإذا كان الشاعر الحديث قد عانى مرارة الهزيمة ، فإنه بالمقابل طمح إلى تجاوز الواقع واستشراف الغد من خلال تجربة الموت والحياة.

الفصل الثالث: تجربة الموت والحياة

تأرجح الواقع العربي بين الهزيمة والانتصار، بين الأمل واليأس، وهكذا كان الشاعر العربي يتجاذبه إيقاع الأمل وإيقاع اليأس، وإذا كانت تجربة الغربة مشدودة إلى الواقع والحاضر، فإن تجربة الموت والحياة مشدودة إلى المستقبل.

ولقد استفاد الشاعر الحديث من اتساع معرفته في التعبير عن الواقع المتأرجح بين الموت والحياة، موظفا أساطير الموت والحياة، وكان لكل شاعر طريقته في مقاربة الواقع والتعبير عنه، فإذا كان أدونيس يؤمن بتحول الحضارة العربية عبر الحياة والموت من خلال توظيف أسطورة الفنيق، فإن خليل حاوي يعتمد مبدأ المعاناة ويفقد الأمل في ولادة فجر جديد، ومن ناحية أخرى يرى السياب أن الخلاص لا يكون إلا بالموت والفداء والتضحية، فيما يتأرجح البياتي بين جدلية الأمل واليأس.

وإذا كان الشعر الحديث قد عبّر عن الواقع واستشرف المستقبل فإنه بقي بعيدا عن التأثير في الجماهير العربية، ويرى الكاتب أنّ عوامل كثيرة تدخلت في هذا النفور، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو ثقافي، ومنها ما هو ديني، ويرى أن العامل الفني والجمالي المرتبط بالشكل الجديد هو السبب الرئيسي وراء نفور الجماهير العربية من الشعر الحديث.

الفصل الرابع: الشكل الجديد

جدّد الشاعر الحديث في شكل القصيدة لغة، وتصويرا، وإيقاعا، فمن حيث اللغة أصبحنا أمام لغات متعددة تختلف باختلاف تجربة الشاعر، فعند السياب نجد اللغة الفخمة ذات النفس التقليدي، وعند أمل دنقل نجد اللغة القريبة من اللغة الحية، اما أدونيس فلغته تتميز بالخرق المنطقي والانزياح.
ومن ناحية التصوير أصبحت الصور الشعرية نابعة من التجربة، ووسع الشعراء في أفقها بأن احتوت الرمز والأسطورة.

أما الإيقاع فكان التغيير فيه أظهر، حيث أبدل الشعراء نظام الشطرين بالأسطر، ونظام البحر بالتفعيلة، كما اعتمدوا على القوافي المتعددة، وفضلوا البحور الصافية على المختلطة..وحرصا على التنويع في الإيقاع استثمروا طاقة التدوير والزحافات في إدخال تلوين إيقاعي يوحي باعتماد تفعيلات متنوعة.

ويرى الناقد في النهاية أنّ عامل الحداثة في الأساليب هو السبب في غموض الشعر الحديث.