مفهوم النحت

النحت في أصل اللغة: هو النشر والبري والقطع، يقال: نحت النجَّار الخشب والعود إذا براه وهذَّب سطوحه، ومثله في الحجارة والجبال؛ قال تعالى: ﴿ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ ﴾. والنحت في الاصطلاح: أن تعمد إلى كلمتين أو جملة فتنزع من مجموع حروف كلماتها كلمة فذَّة تدلُّ على ما كانت عليه الجملة نفسها، ولما كان هذا النزع يشبه النحت من الخشب والحجارة سمي نحتًا.

ظاهرة النحت ووظيفته التي تقوم على مبدأ الاختصار والاختزال واضحة جلية في اللغة العربية المعاصرة. يكون النحت من الأساليب الأصيلة في كلام العرب بحيث استخدموه في الألفاظ الكثيرة الورود في كلامهم ومحاوراتهم. ومردّ ذلك يعود إلى حدة أذهان العرب القدامى وجودة أفهامهم، و لذلك انتبهوا للرمزة الدقيقة وكثر في كلامهم أنواع الإيجاز والاختصار والحذف والاقتصار.

تاريخ النحت في العربية

أول من طرق باب النحت الخليل بن أحمد حين عرفه وسماه "النحت".بل ومثل به ووصف منه نوعين، فكتب في معجم العين: «وقد أكثرت من الحيعلة؛ أي من قولك: حيَّ على، وهذا يشبه قولهم: تعبشمَ الرجلُ وتعبقسَ، ورجل عبشميّ: إذا كان من عبد شمس أو من عبد قيس، فأخذوا من كلمتين واشتقوا فعلاً… فهذا من النحت».

وعرفه كذلك أئمة اللغة والنحو كسيبويه في كتابه حين كتب: «وأما حَيَّهَلَ التي للأمر فمن شيئين، يدلّك على ذلك: حيَّ على الصلاة…، وقد يجعلون للنّسب في الإضافة اسماً بمنزلة جعفر ويجعلونه من حروف الأول والأخير ولا يخرجونه من حروفهما ليعرف…، فمن ذلك: عبشميّ وعبدريّ».

ومن أقوال العرب قولهم فلان كثير المشألة أي يكثر من قول ما شاء الله. ومن الأمثلة "جلمود" الواردة في شعر امرئ القيس نحتت من جلد وجمد.

الفرق بين النحت والتركيب

يختلف النحت عن التركيب المزجي في أن التركيب يحتفظ بالعناصر المكونة له دون نقصان على حين أن الكلمات المنحوتة تصهر في بعضها البعض:

  • مثال: لاسلكي وبرمائي من أمثلة التركيب المزجي لاحتفاظها بمركباتها دون نقصان.
  • مثال: زمكان من أمثلة النحت لانصهار كلمتي الزمان والمكان في كلمة واحدة.كذلك كهروطيسية منحوتة من كهرباء ومغناطيسية.

صور النحت في اللغة العربية

لقد ورد النحت في اللغة العربية على صور عديدة أهمها:

  • تأليف كلمة من جملة لتؤدِّي مؤدَّاها، وتفيد مدلولها، كـ(بسمل) المأخوذة من (بسم الله الرحمن الرحيم)، و(حيعل) المأخوذة من (حي على الصلاة، حي على الفلاح).
  • تأليف كلمة من المضاف والمضاف إليه، عند قصة النسبة إلى المركب الإضافي إذا كان علمًا؛ كـ(عبشمي) في النسبة إلى عبدشمس، و(عبدري) في النسبة إلى عبدالدار.
  • تأليف كلمة من كلمتين أو أكثر "تستقلُّ كلُّ كلمة عن الأخرى في إفادة معناها تمام الاستقلال؛ لتفيد معنًى جديدًا بصورة مختصرة، وهذا النوع كثير الورود في اللغات الأوربية، قليل في العربية وأخواتها السامية، ولم تعرف منه إلا بعض ألفاظ نتيجة تخريج لبعض العلماء... من ذلك (لن) الناصبة، ويرى الخليل أنها مركبة من (لا) النافية و(أن) الناصبة و(هلم): يرى الفرَّاء أنها من (هل) الاستفهامية، ومن فعل الأمر (أُمَّ) بمعنى أقصد وتعال، وقيل: إنها مركبة من (هاء التنبيه) و(لم) بمعنى ضم، و(أيَّان) الشرطية مركبة من (أي، آن) فحذفت همزة (آن) وجعلت الكلمتان كلمة واحدة متضمنة معناهما، وغير خافٍ أن وجود هذا القسم رهن بافتراضات جدلية وخلافات بين العلماء.

أقسام النحت

قام المتأخِّرون من علماء اللغة من خلال استقرائهم للأمثلة التي أوردها الخليل بن أحمد وابن فارس بتقسيم النحت إلى أقسام عدَّة، يمكن حصرها فيما يلي:

النحت الفعلي

وهو أن تنحت من الجملة فعلاً يدلُّ على النطق بها، أو على حدوث مضمونها، مثل (جعفد) من: (جعلت فداك)، و(بسمل) من: (بسم الله الرحمن الرحيم).

النحت الوصفي

وهو أن تنحت كلمة واحدة من كلمتين تدلُّ على صفة بمعناها أو بأشد منها، مثل: (ضبطر) للرجل الشديد مأخوذة من (ضبط وضبر).

النحت الاسمي

وهو أن تنحت من كلمتين اسمًا، مثل (جلمود) من (جمد، وجلد)، و(حبقر) للبرد، وأصله (حب، قر).

النحت النسبي

وهو أن تنسب شيئًا أو شخصًا إلى بلدتي: (طبرستان) و(خوارزم) مثلاً، تنحت من اسميهما اسمًا واحدًا على صيغة اسم المنسوب، فتقول: (طبرخزي)؛ أي: منسوب إلى المدينتين كلتيهما، ويقولون في النسبة إلى الشافعي وأبي حنيفة (شفعنتي)، وإلى أبي حنيفة والمعتزلة: (حنفلتي)، ونحو ذلك كثير.

النحت الحرفي

مثل قول بعض النحويين: إن (لكن) منحوتة، فقد رأى الفراء أن أصلها (لكن أن) طرحت الهمزة للتخفيف ونون (لكن) للساكنين، وذهب غيره من الكوفيين إلى أن أصلها (لا)، (أن) والكاف الزائدة لا التشبيهية، وحذفت الهمزة تخفيفًا.

النحت التخفيفي

مثل (بلعنبر) في (بني العنبر)، و(بلحارث) في (بني الحارث)، و(بلخزرج) في (بني الخزرج)؛ وذلك لقرب مخرجي النون واللام، فلمَّا لم يمكنهم الإدغام لسكون اللام حذفوا، كما قالوا: مست وظلت، وكذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة، فأمَّا إذا لم تظهر اللام فلا يكون ذلك؛ مثل: بني الصيداء، وبني الضباب، وبني النجار.