مفهوم الاشتقاق

الاشتقاق لغة من الشق وهو أخذ الشيء من الشيء أو أخذ شقه أي نصفه،  اشتقاق الكلام الأخذ فيه يمينا وشمالا، واشتقاق الحرف من الحرف أخذه منه. ويقال شقق الكلام إذا أخرجه أحسن مخرج.

الاشتقاق اصطلاحا له تعاريف متعددة لا تبتعد كثيرا عن المعنى اللغوي ونورد بعضها :

  • اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه حروف ذلك الأصل.
  • أخذ كلمة من أخرى بتغيير ما، مع التناسب في المعنى.
  • نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا، ومغايرته في الصيغة.

يعتبر الاشتقاق من علوم اللغة العربية مع الإعمال العقلي ، ويمكن عده جزأ من علم (فقه اللغة)، وفيه اشتراك مع (علم التصريف) في بعض المباحث من وجه، والفرق بينهما أن علم التصريف يبحث في الأوزان الظاهرة ودلالة كل وزن، أما الاشتقاق فيبحث في الدلالة الباطنة وارتباط المعاني في المادة الواحدة.

شروط الاشتقاق

علماء النحو والصرف وضعوا شروطا لصحة الاشتقاق نذكر منها:

  • لابد في المشتق اسما كان أو فعلا من أن يكون له أصل ، فإن المشتق فرع مأخوذ من لفظ آخر، كما رأينا في التعاريف ولو كان أصلا في الوضع غير مأخوذ من غيره لم يكن مشتقا ، ولكن ما هو هذا الأصل المشتق منه ؟ أهو المصدر أم الفعل ، أم شيء آخر. في ذلك خلاف بين العلماء.
  • لا بد أن يناسب المشتق الأصل في الحروف من حيث عددها وترتيبها ، والمعتبر المناسبة في جميع الحروف الأصلية، فإن الاستباق من السبق مثلا يناسب الاستعجال من العجل في حروفه الزائدة و المعنى وليس مشتقا منه بل من السبق.
  • يجب أن يوافق المشتق الأصل في المعنى إما مع زيادة " كالضرب " فإنه للحدث المخصوص والضارب فإنه لذات ما له ذلك الحدث، وإما بدون زيادة كاشتقاق الضرب من ضرب على مذهب الكوفيين.

الأصل في الاشتقاق

اختلف البصريون والكوفيون في أصل الاشتقاق، فذهب البصريون إلى أن أصله هو المصدر في حين يرى الكوفيون أن الفعل أصل الاشتقاق. واحتج كل فريق بجملة من الأدلة.

حجج البصريين

  • إن المصدر إنما سمي كذلك لصدور الفعل عنه.
  • إن المصدر يدل على شيء واحد وهو الحدث ، أما الفعل فيدل بصيغته على شيئين الحدث و الزمان المحصل، وكما أن الواحد أصل الاثنين فكذلك المصدر أصل الفعل.
  • إن المصدر يدل على زمان مطلق أما الفعل فيدل على زمان معين وكما أن المطلق أصل للمقيد ، فكذلك المصدر أصل للفعل.
  • إن المصدر اسم والاسم يقوم بنفسه ويستغنى عن الفعل لكن الفعل لا يقوم بنفسه بل يفتقر إلى الاسم ولا يستغني بنفسه، وما لا يفتقر إلى غيره أولى بأن يكون أصلا مما لا يقوم بنفسه.
  • إن المصدر مثال واحد نحو : الضرب" و "القتل" و الفعل له أمثلة مختلفة.

حجج الكوفيين

  • إن المصدر يذكر تأكيدا للفعل نحو : ضربت ضربا ، ورتبة المؤكد (بفتح الكاف) قبل رتبة المؤكد (بكسر الكاف).
  • إن هناك أفعالا لا مصادر لها وهي : نعم ، بئس ، حبذا ، عسى ، ليس ... فلو كان المصدر أصلا لما خلا من هذه الأفعال لاستحالة وجود الفرع من غير أصل.
  • إن الفعل يعمل في المصدر نحو : ضربت ضربا ، وبما أن رتبة العامل قبل رتبة المعمول وجب أن يكون المصدر فرعا عن الفعل.
  • إن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتل لاعتلاله مثل: ذهب ذهابا ، رمى رميا.

والراجح أن أصل الاشتقاق ليس واحدا بل الصحيح أن العرب اشتقت من الأسماء والأفعال والحروف لكن بدرجات متفاوتة، فأكثر ما اشتق منه الأفعال ثم الأسماء ثم الحروف، وهذا ما يراه عدد من الباحثين المحدثين.

التغييرات بين الأصل المشتق منه والفرع المشتق

التغييرات بين الأصل المشتق منه والفرع المشتق خمسة عشر:

  1. زيادة حركة؛ كعلم وعلم.
  2. زيادة مادة؛ كطالب وطلب.
  3. زيادتهما؛ كضارب وضرب.
  4. نقصان حركة؛ كالفرس من الفرس.
  5. نقصان مادة؛ كثبت وثبات.
  6. نقصانهما؛ كنزا ونزوان.
  7. نقصان حركة وزيادة مادة؛ كغضبى وغضب.
  8. نقصان مادة وزيادة حركة؛ كحرم وحرمان.
  9. زيادتهما مع نقصانهما؛ كاستنوق من الناقة.
  10. تغاير الحركتين؛ كبطر بطرا.
  11. نقصان حركة وزيادة أخرى وحرف؛ كاضرب من الضرب.
  12. نقصان مادة وزيادة أخرى؛ كراضع من الرضاعة.
  13. نقص مادة وزيادة أخرى وحركة؛ كخاف من الخوف؛ لأن الفاء ساكنة في خوف؛ لعدم التركيب.
  14. نقصان حركة وحرف وزيادة حركة فقط؛ كعد من الوعد.
  15. نقصان حركة وحرف وزيادة حرف؛ كفخار من الفخار، نقصت ألف، وزادت ألف وفتحة.


أقسام الاشتقاق

الإشتقاق الصغير (الأصغر الصرفي)

يُعَرَّف بأنه أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنى ومادة أصلية وهيئة تركيب لها؛ ليدل بالثانية على معنى الأصلية بزيادة مفيدة ؛ لأجلها اختلفا حروفا وتركيبا كضارب من الضرب، وحَذِر من الحذَرِ.

وهذا النوع هو أكثر أنواع الاشتقاق ورودًا وهو المراد عند إطلاق الاشتقاق. وأفراده عشرة هي:

  1. الفعل الماضي.
  2. الفعل المضارع.
  3. فعل الأمر.
  4. اسم الفاعل.
  5. اسم المفعول.
  6. الصفة المشبهة.
  7. اسم التفضيل.
  8. اسم الزمان.
  9. اسم المكان.
  10. اسم الآلة.

الإشتقاق الكبير (القلب المكاني)

وعَرَّفوه بأنّه أخذ كلمة من كلمة مع تناسبهما في المعنى واتفاقهما في الحروف الأصلية دون ترتيبها، مثل: حمد ومدح. وأيس ويئس، والحلم والحمل، ودهد وهدد.

وجمهور الصرفيين يطلقون على هذا النوع القلب المكاني، وأول من فكر فيه الخليل بن أحمد الفراهيدي، وعلى أساس تلك الفكرة رتب معجمه (كتاب العين)، ولكن أول من بسط فيه القول وبين جوانبه ووضحه أبو الفتح عثمان بن جني الذي ذكر أن شيخه أبا عليّ  كان يستأنس به يسيرًا. ومن الأمثلة التي ذكرها ابن جني: جبر: قوى، جرّب:رجل مجرب، الجِراب:يحفظ ما فيه ويقويه (الكيس)، البَرَج:نقاء بياض العين وصفاء سوادها (قوة النظر)، رجب: لتعظيمهم إياه على القتال فيه، الرُجبة: هي ما تُسند إليه النخلة إذا مالت.

الإشتقاق الأكبر (الإبدال)

وهو أخذ لفظة من أخرى مع تناسبهما في المعنى واتحادهما في أغلب الحروف، مع كون المتبقي من الحروف من مخرج أو مخرجين متقاربين مثل: نعق ونهق، وهتن وهتل، وثلب وثلم، ويطلق على هذا النوع أحيانًا الإبدال اللغوي، مثل: نعق/نهق، علوان/عنوان، الهدير/الهديل، قشط/كشط، كبح/كمح، فهذه الأمثلة تمثل التقارب في المخرج، أما في الصفات فنجد كلمتي: صقر/سقر، السراط/الصراط/الزراط، ساطع/صاطع، تهزهم/تأزهم...

الإشتقاق الكبّار (النحت)

وهو أخذ كلمة من كلمتين أو أكثر مع تناسب المأخوذ والمأخوذ منه في اللفظ والمعنى مثل عبشمي وعبدري في عبد شمس وعبد الدار، وبسمل وسبحل قال: بسم الله، وسبحان الله. وكثير من العلماء يسميه بالنحت. ويقسم هذا النوع إلى أربعة أقسام:

  • نحت فعلي: كقولك "بسملة" أي بسم الله، "جعفلة" أي جعلت حوقلة أي لا حول ولا قوة إلا بالله، دمعزة أي أدام الله عزك، سبحل أي سبحان الله، حسبل أي حسبي الله، هيلل أي لا إله إلا الله، حيعل أي حي على الصلاة، الحمدلة أي الحمد لله، الطبقلة أي أطال الله بقاءك.
  • نحت وصفي: مثاله: قال ابن فارس:"الصقعب" جاءت من كلمتي صعب وصقب، وتعنيان الشدة.
  • نحت اسمي: مثاله: جلمود من جلد وجمد.
  • نحت نسبي: مثلا: عبشمي من بني عبد شمس، عبدري من بني عبد الدار، عبدلي من بني عبد الله.

فوائد الاشتقاق وأغراضه

إن الاشتقاق يكتسب أهمية بالغة في اللغة العربية ، بل ذهب بعضهم إلى وجوب تقدم تعلمه على علم النحو؛ أي علم التصريف ، وهو نوع من أنواع الاشتقاق بل هو أهمها وأكثرها ورودا . وفي ذلك يقول ابن جني: "فالتصريف إنما هو لمعرفة أنفس الكلم الثابتة، والنحو إنما هو لمعرفة أحواله المتنقلة، ألا ترى أنك إذا قلت : قام بكر، ورأيت بكرًا، ومررت ببكرٍ فإنك إنما خالفت بين حركات حروف الإعراب لاختلاف العامل ولم تعرض لباقي لكلمة وإذا كان كذلك فقد كان من الواجب على من أراد معرفة النحو أن يبدأ بمعرفة التصريف؛ لأن معرفة ذات الشيء الثابتة ينبغي أن يكون أصلا لمعرفة حاله المتنقلة، إلا أن هذا الضرب من العلم لما كان عويصا صعبا بدئ قبله بمعرفة النحو ثم جيء به بعد ليكون الارتياض في النحو موطئا للدخول فيه، ومعينا على معرفة أغراضه ومعانيه وعلى تصرف الحال". وللاشتقاق فوائد كثيرة منها :

  • إنه وسع كلام العرب فتمكن الشعراء من التسلط على قوافيهم ، كما تمكن الخطباء من التوسع في خطبهم ، فكثر عندهم السجع . ولولاه لما وجد في الكلام صفة لموصوف ولا فعل لفاعل .
  • تمكن النحويون والصرفيون من معرفة الزائد من الأصل ومعرفة المجرد من المزيد.
  • ساعد في تحديد أصالة الكلم، وكان سبيلا إلى معرفة الأصيل من الدخيل؛ لأن الكلمة الدخيلة لا نجد لها أصلا من ناحية اللفظ، ولا من ناحية الدلالة، فالصراط والفردوس" وغيرهما من الألفاظ المعربة لا نجد لها أصلا في لعربية؛ إذ لا توجد مادة "صراط"، ولا مادة " فردوس " فوجود سلسلة من المشتقات ينبئ بأصالة الكلمة في العربية.