مفهوم الشعر

الشعر لغة الشعور والإحساس والانفعال بواقع ما والتفاعل الخاص معه، تفاعل يتجاوز السطح والمألوف العام ويتغلغل إلى أعماق الواقع يستكنه أسراره، ويتابع تداعياته في النفس والمخيلة، ويصنع منه عوالم جميلة يسافر عبرها إلى مناطق بكر غير مطروقة تتسلل إلى المتلقي فتحبسه في محرابها متأملا منتشيا مأخوذا بسحرها وتوهجها، واصطلاحا فن قولي جميل يتضمن كل ما قلناه آنفا، وهو وإن تعددت تعريفاته، فإنها تجمع كلها على أنه فن أدبي يقوم على اللغة الموحية والصورة المعبرة والتركيب الجميل والإيقاع المؤثر والعاطفة المتدفقة والرؤية العميقة المتأصلة.

وقد مر الشعر العربي بتجارب متعددة حدثت خلالها تطورت عميقة مست بنية الشعر العربي قديمه وحديثه، ويمكن إجمالا تمييز تجربتين فاصلتين هما: الشعر العمودي وشعر التفعيلة.

مفهوم الشعر العمودي

الشعر العمودي هو الشعر المحافظ على معيارية القصيدة القديمة، حيث تتوالى الأبيات في خيط عمودي سيمتري (تناظري)، كل بيت ينتظم شطرين، وكل شطر يتألف من تفعيلات محددة تتكرر في كل أبيات القصيدة، وتنتمي إلى نظام إيقاعي يدعى البحر الشعري، وتخضع التفاعيل لتغييرات إيقاعية مضبوطة بضوابط عروضية لا يمكن اختراقها، وينتهي كل بيت في القصيدة بقافية موحدة وروي واحد يلتزم في سائر الأبيات.

تعالج القصيدة العمودية موضوعات متعددة ، أو موضوعا واحدا تبنى شبكاته الدلالية وتؤلف بنيته اللفظية وفق تصور عمود الشعر الذي حدد ملامح القصيدة النموذجية شكلا ومحتوى، وهذه الملامح كما وردت عند المرزوقي في شرح حماسة أبي تمام هي: شرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، والإصابة في الوصف، والمقاربة في التشبيه، والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن، ومناسبة المستعار للمستعار له، ومشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما.

مرتكزات القصيدة العمودية

البيت الشعري

وحدة مستقلة في القصيدة العمودية تربطها بباقي أجزاء القصيدة روابط عامة، يتألف من عدد محدود من التفعيلات على أحد أوزان الخليل ( الطويل ، البسيط ، الكامل ، الوافر…)، وينقسم إلى صدر وعجز ، وينتهي بقافية.

القافية

وحد إيقاعية تتشكل من حرف متحرك أو أكثر بين ساكنين في آخر البيت والمتحرك الذي قبلهما، وقد تكون كلمة أو كلمتين أو جزأ من كلمة.

الروي

آخر حرف صحيح في البيت ، عليه تبنى القصيدة ، وتسمى به ، فيقال لامية أو نونية أو …، ويتكرؤر في سائر الأبيات.

الصورة الشعرية

التصوير مرتبط بخصوصية التجربة الشعرية على مستوى الفكرة والعاطفة والخيال وعناصره، وغالبا ما تكون الصورة في الشعر العمودي ملتقطة من الواقع وذات بعد حسي بياني يروم توضيح الفكرة وتقوية المعنى وتقريب الانفعال بالواقع إلى المتلقي.

اللغة الشعرية

تسعى اللغة في القصيدة العمودية إلى تحقيق وظيفتين: تواصلية وجمالية، وتتسم بالتكثيف والإيجازوالتلميح والإشارة بدل التصريح والإخبار، والفخامة والتماسك

موضوعات الشعر العمودي

عالج الشعر العمودي معظم الموضوعات التي شغلت بال الشعراء، وقد ارتبط أكثر بمجموعة من الموضوعات التي سميت بأغراض الشعر كالمدح والهجاء والوصف والغزل والفخر والرثاء والحماسة، وكلها تنتمي إلى الشعر الغنائي.

مفهوم المدح

المدح لغة الثناء والإطراء والتمجيد، واصطلاحا الغرض الشعري المفصح عن إعجاب الشاعر بالممدوح بسبب مزايا معينة يتصف بها ، ومن أبرز صفات المدح التي تغنى بها الشعراء: الكرم والشجاعة والوفاء والمروءة والحلم والعدل والقوة وشرف الأصل (الحسب) وجميل الفعال، وغالبها صفات معنوية نبيلة تدل على كمال الرجولة.

أنواع المدح

  • المدح الصادر عن إعجاب حقيقي وعاطفة صادقة ، ويدخل ضمن هذا الغرض المدح الديني كمدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ومدح القيم النبيلة المجسدة في بعض الشخصيات الفذة .
  • المدح التكسبي المتخذ مطية للتقرب إلى الخلفاء والأمراء والملوك والقواد والأثرياء لنيل رضاهم والحصول على عطاياهم.

شعر المدح

يعتبر شعر المديح باب شعري واسع في اللغة العربية والأدب العربي ، ويقسم إلى مدح ذات ، مدح الآخر على اختلاف موقعه من الشاعر ( حبيب، حاكم ، أم .. الخ ) ومدح الأرض والوطن ، وعلى إعتبار أن مدح الحبوب يعتبر تحت باب شعر الغزل ، نستطيع بهذا أن نحدد فترة ازدهار شعر المديح مراحل تطوره .

كان العرب القدماء يمتدحون قبائلهم ويتغنون بأمجادها ويمدحون حروبهم ومآربهم بها وشجاعتهم وبعد ظهور الإسلام وتقليل النزاعات القبلية لا بل الحد منها ، وهنا ظهر الافتخار بالإسلام وبدء الشعراء يهجون أزمنتهم الجاهلية ويمدحون ما صاروا به من الإسلام ، فظهرت أسماء شعراء في زمن الرسول –صء كحسان بن ثابت الذي لقب بشاعر رسول الله الذي كان لا يتوانى عن مدحه للإسلام في شعره وغيره كثيرون ، أما بعد ذلك وفي زمن الخلفاء ظهر بعد إستقرار الدولة الإسلامية شعراء في بلاط السلاطين والخلفاء يمتدحون الحكام فيمنحون العطايا على هذا المدح ولربما من اشهر شعراء المدح ،أبو الطيب المتنبي فهو كان مداحاً بطريقة يؤخذ عليها انها وصلت حد المبالغة بالمدح وغيره كانو يتحدون بعضهم في الشعر ومن ضمنه المدح كلون شعري كانوا نوعا ما يقتاتون منه ، وبتراجع هذه الدولة وقيام مذاهب وفرق إسلامية كثيرة تحول الشعر ليخدم فكر الفرق فمدحها وأفاض كل شاعر مع فرقته في مدحه لها ، وبعد ذلك في أزمنة تقهقر الدولة ظهر نوع جديد من المدح ألا وهو التغني بأمجاد سابقة ومن هنا عادت القبلية من جديد وعاد معها طور الشعر المتفاخر بأمجاد شخصية وقبلية وهو حتى الآن قائم بقوة في المجال الشعري بأنواعه وانتقل الى الشعراء المعاصرين وشعراء الشارع أو الشعر النبطي أو العامي.

تطور قصيدة المدح في الشعر العربي وخصائصها

المدح غرض عريق في تاريخ الشعر العربي، عرف تطورات جمة منذ العصر الجاهلي فالإسلامي فالأموي فالعباسي

ضمت قصيدة المدح كل الخصائص الجمالية الإيقاعية والتركيبية والدلالية التي يقررها التصور المعياري للشعر العمودي، ومن بين هذه الخصائص :

  • التكثيف في المعنى والدقة في بناء الصورة وضبط العلاقة بين طرفيها ، وتوليد المعاني الجديدة والطريفة.
  • الاحتفال بموسيقى النص وتضخيم حضورها وتأثيرها.
  • جزالة الألفاظ وقوة جرسها ونقاوتها وفصاحتها.
  • شرف المعنى وسموه ومتانة التركيب وفصاحته.
  • المبالغة في وصف الممدوح بأوصاف مثالية.

من أجمل قصائد المدح

قصيدة أحمد شوقي في مدح الرسول

ولد الهدى فالكائنات ضياء  ۩۩۩  وفم الزمان تبسم وسناء
الروح والملأ الملائك حوله  ۩۩۩  للدين والدنيا به بشراء
والعرش يزهو والحظيرة تزدهي  ۩۩۩  والمنتهى والسدرة العصماء
والوحي يقطر سلسلا من سلسل  ۩۩۩  واللوح والقلم البديع رواء
يا خير من جاء الوجود تحية  ۩۩۩  من مرسلين إلى الهدى بك جاؤوا
بك بشر الله السماء فزينت  ۩۩۩  وتوضأت مسكا بك الغبراء
يوم يتيه على الزمان صباحه  ۩۩۩  ومساؤه بمحمد وضاء
يوحي إليك النور في ظلمائه  ۩۩۩  متتابعا تجلى به الظلماء
والآي تترى والخوارق جمة  ۩۩۩  جبريل رواح بهاغداء
دين يشيد آية في آية  ۩۩۩  لبنائه السورات والأضواء
الحق فيه هو الأساس وكيف لا  ۩۩۩  والله جل جلاله البناء
بك يا ابن عبدالله قامت سمحة  ۩۩۩  بالحق من ملل الهدى غراء
بنيت على التوحيد وهو حقيقة  ۩۩۩  نادى بهاسقراط والقدماء
ومشى على وجه الزمان بنورها  ۩۩۩  كهان وادي النيل والعرفاء
الله فوق الخلق فيها وحده  ۩۩۩  والناس تحت لوائها أكفاء
والدين يسر والخلافة بيعة  ۩۩۩  والأمر شورى والحقوق قضاء
الاشتراكيون أنت أمامهم  ۩۩۩  لولا دعاوي القوم والغلواء
داويت متئدا وداووا طفرة  ۩۩۩  وأخف من بعض الدواء الداء
الحرب في حق لديك شريعة  ۩۩۩  ومن السموم الناقعات دواء
والبر عندك ذمة وفريضة  ۩۩۩  لا منة ممنوحة وجباء
جاءت فوحدت الزكاة سبيله  ۩۩۩  حتى إلتقى الكرماء والبخلاء
انصفت أهل الفقر من أهل الغنى  ۩۩۩  فالكل في حق الحياة سواء
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا  ۩۩۩  منها ومايتعشق الكبراء
زانتك في الخلق العظيم شمائل  ۩۩۩  يغرى بهن ويولع الكرماء
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى  ۩۩۩  وفعلت ما لا تفعل الأنواء
وإذاعفوت فقادرا ومقدرا  ۩۩۩  لا يستهين بعفوك الجهلاء
وإذا رحمت فأنت أم أو أب  ۩۩۩  هذان في الدنيا هما الرحماء
وإذا خطبت فللمنابر هزة  ۩۩۩  تعرو الندىوللقلوب بكاء
وإذا أخذت العهد أو أعطيته  ۩۩۩  فجميع عهدك ذمة ووفاء
يامن له عز الشفاعة وحده  ۩۩۩  وهو المنزه ماله شفعاء
لي في مديحك يا رسول عرائس  ۩۩۩  تيمن فيك وشاقهن جلاء
هن الحسان فإن قبلت تكرما  ۩۩۩  فمهورهن شفاعة حسناء
ما جئت بابك مادحا بل داعيا  ۩۩۩  ومن المديح تضرع ودعاء
أدعوك عن قومي الضعاف لأزمة  ۩۩۩  في مثلها يلقى عليك رجاء