المباءة (عز الدين التازي) - قراءة تركيبية

تعتبرالمباءة رواية سياسية ذات بعد انتقادي لمجتمع تتعدد مشاكله الاجتماعي والأسرية، ويطغى فيه الظلم والاحتيال، لذا ترسم أحداثها معالم المآسي الفردية والجماعية، وتعبر عن ذلك بواسطة رصد الاختلالات العقلية والنفسية وتفشي الأوبئة والانقسامات الإيديولوجية.

ولقد فضلت الرواية أن تشخص، صراحة، اختيارا إيديولوجيا معينا يجمع بين النزعة اليسارية والانتماء الديموقراطي. كما اختارت أن تدين (الأصولية) بمعناها العام دون تميزبين اتجاهاتها المتباينة. وهذا ما يجعلها رواية ذات أطروحة سياسية محددة.

والرواية، رغم إشادتها بإيديولوجية معينة، فإن الطابع المأساوي يغلب عليها، لكنها تفتح بارقة أمل في نهايتها عندما تجعل بطلها الرئيس يلتقي مع زوجته وابنته منيرة ويتعرف عليهما ويعرفهما بنفسه: ( رقية، أنا قاسم).

هذه المزاوجة بين التشاؤم والأمل مهدت لها في الرواية بعض الكلمات الاستهلالية وخاصة تلك التي أخذت من كتابات الفيلسوف الألماني نيتشه، حيث نجد تأكيد التشاؤم وقوة الانسان في آن واحد. وهذا مايجعل رواية المباءة تجمع في شخصية قاسم بين الأطروحة السياسية والبطل الإشكالي الباحث عن قيم جديدة وعن ماض مشرق (عاش على ذكراه) في واقع حالي منحط. كل ذلك أحداث مفارقة ملحوظة في مقاصدها المحتملة.

استخدمت الرواية عددا من التقنيات لبلورة مدلولاتها المذكورة منها محاولة المزج، ظاهريا، بين الرؤية المونولوجية والحوارية، وتكسير خطية الزمن الطبيعي، واستغلال تقنية الاسترجاع مع تنويع الأمكنة، وتوظيف حالة (الدروشة) وبعض علامات المعتقدات الشعبية، واستخدام اللغة الشعرية بكثافة بغاية التأثير على القراء وجعلهم يقبلون أطروحتها الإيديولوجية بأكبر قدر من السلاسة.

وقد لاحظنا سابقا أن التسريع الحاصل في رسم بعض الشخصيات، ورصد تطورها كان مسؤولا إلى حد كبيرعن تقليص درجة الاقتناع بواقعيتها. هذا فضلا عن أن الرواية كانت في حاجة ماسة إلى مزيد من الحفز التأليفي لجعل كثير من التفاصيل والإضافات العابرة مندمجة منطقيا وجماليا بوحدتها البنائية، مع العلم أن الرواية اعتمدت على تدعيم مصداقيتها بأنماط الحفز الواقعية المباشرة أي الإحالات الكثيرة على أماكن واقعية معروفة لدى القارئ المغربي على الخصوص : كالإشارة المتكررة إلى مدينة فاس وبعض أحيائها ومعالمها التاريخية وأضرحتها المعروفة وبعض ضواحيها أو القرى المجاورة لها. وهذا النوع من الإحالة على الواقع هو أبسط إجراأت الحفز في صناعة الرواية، لذا كان ينبغي أن يدعم بأنواع الحفز الأخرى ومنها الحفز التأليفي المشار إليه ثم الحفز الجمالي.

يرى أحمد اليبوري متحدثا عن العلاقة الوثيقة بين العنوان ومضامين الرواية أن عبارة المباءة اتخدت في الرواية [شكل استعارة (سردية) بدأت كمفردة لغوية واتسعت وتشعبت عبر تضاريس الواقع ومنعطفاته وخباياه الموشومة (مثل قاسم) بصور العسف والقهر والابتذال والجنون، مثقلة بحمولة تاريخها اللغوي الخاص وبتاريخ مدينة أصبحت المباءة تنوب عنها وتحتل موقعها وتحيل عليها في نفس الآن.] ويرى عبد الرحيم العلام متحدثا عن البنية الزمنية والحدثية في الرواية أن الفصول الروائية الثلاثة في علائقها ببعضها من زاويتها الحدثية تعلن عن تكسير معين في النظام السردي الكرونولوجي عن طريق اختيارها لنظام استباقي واسترجاعي في الوقت نفسه…، أما الميلود عثماني فيجد أن رواية المباءة: [ منحت الأسبقية في عالمها الخاص لفعل الكتابة باعتباره تجليا للوجود الذاتي الإشكالي أي (كفعل للكينونة بتعبير هايدغر)، كما أن الكتابة فيها هي (ميثاق جديد لذات جديدة ومتجددة تمتلك متخيلها وتبنيه بقصد ووعي شقيين].

هكذا نرى أن النقد المغربي قد وقف على أهم القضايا والظواهر المضمونية والفنية التي عكستها رواية المباءة ، فإذا كان أحمد اليبوري قد اعتبر المشروع الروائي في المباءة استعارة سردية، رهانها رسم معالم مدينة مثقلة بمظاهر التفسح والمرض والقهر، مركزا بذلك على المشروع الدلالي والرمزي في الرواية. فإن عبد الرحيم العلام أشر على طبيعة البنية السردية في المباءة باعتبارها مثلت محاولة لتجاوز رتابة السرد التقليدي الخطي باستخدام تقنيتي الاسترجاع والاستباق. ولاشك أنه يشيرإلى الترتيب الزمني غير الخطي الذي سلكه مسار السرد في الرواية. أما الميلود عثماني فقد اتجه اهتمامه إلى البعد الأنطولوجي، فرواية المباءة، في نظره، محاولة لجعل الذات الكتابة حاضرة بكل أبعادها الإشكالية ووعيها الشقي أمام نفسها وأمام الآخرين، وهي على هذا الأساس تحول الكتابة إلى فعل للحضور الأنطولوجي.