عين الفرس (الميلودي شغموم) - العتبات
عتبة المؤلف
ميلودي شغموم من مواليد مدينة ابن أحمد سنة 1947، وهو كاتب مغربي وروائي وقصاص وباحث في ميدان الفلسفة والتصوف، وهو كذلك أستاذ التعليم العالي ونائب عميد الكلية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس علاوة على كونه عضوا فعالا في اتحاد كتاب المغرب.
وللميلودي شغموم إصدارات عديدة نذكر منها:
- الأعمال
- أشياء تتحرك (قصص)
- سفر الطاعة (قصص)
- الضلع والجزيرة (روايتان)
- الأبله والمنسية وياسمين (رواية)
- عين الفرس (رواية)
- مسالك الزيتون (رواية)
- شجر الخلاطة (رواية)
- خميل المضاجع (رواية)
- نساء آل الراندي (رواية)
- الأناقة (رواية)
- أريانة (رواية)
- قيمة العلم (ترجمة)
- الوحدة والتعدد في الفكر العلمي الحديث (دراسة)
- المتخيل والقدسي في التصوف الإسلامي (دراسة)
ويتبين لنا أن شغموم الميلودي كتب عشر روايات، وقد صدرت ضمن الأعمال الكاملة التي نشرتها وزارة الثقافة المغربية لسنة2005.كما نسجل حصول الكاتب على جائزة المغرب للكتاب سنة 2000 على روايته نساء آل الرندي التي حولت إلى فيلم سينمائي مع المخرج شكيب بن عمر.ونقيد كذلك أن ثقافة الكاتب موسوعية تجمع بين الفلسفة والترجمة والكتابة القصصية والروائية والدراسة النقدية.
عتبة الجنس
من الصعب جدا أن نصنف نص” عين الفرس” ضمن خانة أجناسية واضحة نظرا لتداخل المحكيات والخطابات وتعدد الأساليب السردية والحوارات والمستنسخات والأطراس التناصية. إذ يمكن لنا أن نعتبر النص إما حكاية خرافية أو نصا روائيا. وإذا اعتبرناه رواية، فهل هي رواية أسطورية أم رواية فانطاستيكية أم رواية فلسفية أم رواية الخيال العلمي؟!
في رأيي تبقى الأسطورة هي المكون المهيمن في الرواية أما السمات والمكونات التجنيسية الأخرى فهي ثانوية ومكملة. وبذلك تنساق أجناسيا مع رواية مبارك ربيع بدر زمانه وروايات مغربية أخرى. والدليل على أسطورية الرواية:” ربما كان مثل هذا الإحساس هو الأصل في نشوء الأسطورة، ولكن من أين لي أن أعرف- آنذاك- أني كنت أساهم في تحويل الواقع إلى أسطورة، وأنا أجهل الحدود الفاصلة بين الواقع واللاواقع، وأنا أراقب قوتي تتفتت في كل الأنحاء، برا وبحرا، خارجا وداخلا: لم أكن أظن أني أحاول أن أفك الواقع من أسر الأسطورة!؟
الأحداث نفسها لم تترك لي الوقت لمثل هذه الغاية، فقد أخذ الأشخاص يختفون من جديد، كل أسبوع بمعدل اثنين أو ثلاثة. وهذه المرة بدأت تتدخل عناصر جديدة لتعقيد الوضع. من ذلك مثلا أني رأيت الناس، وأغلبهم شباب، يذهبون ولا يرجعون كما رآهم غيري من قبل، بأكثر من رؤية العين، بما يشبه الرؤيا أو الحلم أو التذكر!”.
عتبة العنوان
يثير عنوان الرواية غموضا دلاليا ومنطقيا؛ ” لأن عين الفرس” لا يعكس مضمون النص سرديا وحكائيا بالشكل الواضح، وبذلك تتعدد دلالات العنوان بشكل غريب وخفي، وبالتالي، يستفز القارىء والناقد معا. ومن دلالاته حسب سياق الرواية:
- رأس الحيوان الذي يسمى الفرس ”ص 38″
- في بيت الأمير، هي الآلة الصغيرة في بيت الأمير ”ص 38″
- مدينة شاطئية بالإمارة ”ص 39″
- اسم مكان سري
يلاحظ تنوع دلالي في هذا العنوان يجمع بين الحيوان والآلة والمكان، أما العين فهي دالة على الرؤية البصرية التي تحيل في النص على الشهادة والتحقق والممارسة والتجريب الفعلي والواقعي والإسناد الحقيقي في الإدراك والمعرفة. وبذلك تكون العين في القسم الأول نظرية وحكائية، بينما في القسم الثاني واقعية تجريبية تعتمد على الملاحظة والمقاربة الواقعية للأحداث والفرضيات والمعايشة في المكان قصد التحقق الفعلي.وهذا الانزياح الدلالي في العنوان لدى الميلودي شغموم تنبه إليه أحمد اليابوري ضمن فصل دراسي بعنوان ” التباس العلامات”:”وأول ما يواجه المتلقي لهذه الروايات لعبة العناوين التي تجاوزت الحد المألوف في الروايات التقليدية التي تحيل، عادة، وبصفة مباشرة على أحد مكونات النص: المكان المركزي، أو الشخصية الرئيسية أو الحدث الهام أو الفكرة التي تتمحور حولها الرواية وهذا الانزياح عن المألوف ينطلق من مقصدية تبدو كأنها تسعى إلى إرباك المتلقي وتكسير أفق انتظاره عندما يقرأ عناوين من نوع” الضلع والجزيرة” و” الأبله والمنسية وياسمين” و” عين الفرس””.
ويضيف الدارس:” أن العنوان، باعتباره عتبة للنص لا يمهد في روايات الميلودي شغموم لقراءة بسيطة يسيرة، كما أنه لا يعكس براءة على مستوى الكتابة بل يخلق توترا بين محفل الإنتاج ومحفل التلقي”.
عتبة الأيقون
تجسد اللوحة الأيقونية التي وضعت في وسط الغلاف حبكة الرواية وبؤرتها الأسطورية: بحث أهل قرية عين الفرس عن كنوز البحر” المشوي والبسطيلة” بسبب فقرهم وجوعهم نتيجة الجفاف والقهر، و السعي وراء أسرار الأشعة المضيئة في وسط البحر عند التقاء السماء والبحر. و يعبر تداخل الألوان على جدلية اليابسة والبحر والمعاناة والأمل كما يترجمها هذا المقطع النصي:” التفت- حميد- ناحية مصدر الأصوات الذي كان يبدو بعيدا بعض الشيء فلمح سفينة ضخمة راسية وسط الأمواج…كاد يتخيلها شمسا من كثرة انعكاس الأشعة عليها أو صدور ما يشبه أشعة الشمس عنها، وكاد يغرقه الخوف عندما تنبه إلى أن تلك الأشعة الكثيرة لا يمكن أن تصدر كلها عن السفينة، إلا أنه ما لبث أن ربط هذه الصورة بصورة أخرى في ذاكرته: صورة السفينة الإسبانية التي كانت ترسل أضواء باهرة، ذات ليلة، لتجلب السمك والحيتان إلى شبكة صياديها، فظهر البحر تلك الليلة وكأنه سماء مشتعلة بنجوم عظيمة….كانت السفينة وكأنها الشمس حطت في عمق البحر…”.
عتبة المعمار الروائي
يرتكز هذا النص الروائي على قسمين متوازيين من حيث الصفحات:
القسم الأول تحت عنوان: رأس الحكاية، ويتضمن ثلاثة فصول معنونة بحروف أبجدية تنسج كلمة عين.ويضم القسم أربعا وأربعين صفحة من الحجم المتوسط.
القسم الثاني تحت عنوان:الذيل والتكملة، ويتضمن بدوره ثلاثة فصول معنونة بنفس حروف فصول القسم الأول وتشكل كلمة عين. ويضم كذلك أربعا وأربعين فصلا. وهذا يؤشر على التوازي البصري بين القسمين.
فالعين في القسم الأول حكائية نظرية تسرد وقائع غريبة تنقصها الدقة والحقيقة الموضوعية، أما العين في القسم الثاني فهي عين واقعية تقوم على الممارسة والمعايشة الواقعية والبحث التجريبي. ويمكن القول كذلك: إن السارد المثقف في القسم الأول كان عين السلطة في ديوان القصر وخادما لها وأداة للتسلية والترفيه، بينما كان في مدينة عين الفرس مثقف الشعب وعينه يعايش همومهم الواقعية ويشارك في تحليل الواقع ووصفه والمحاولة في تغييره.لذلك وجدنا تفاعلا حميميا بينهما وتواصلا إنسانيا لم يره السارد من قبل لا في العاصمة ولا في مكان آخر.
ويحيل العنوان كذلك” رأس الحكاية” إلى الحكاية النظرية وأصلها الأسطوري بينما ” الذيل والتكملة” فيحيل إلى المرجع الواقعي للحكاية وخلفياتها وسياقها الخارجي: ممارسة ومعايشة.
ويمكن توزيع القسمين إلى عدة محكيات سردية على النحو التالي:
- محمد بن شهرزاد الأعور في ديوان الأمير لحكي قصصه العجيبة.
- قصة الرجل الطيب والولد الضال.
- قصة استنطاق السارد عن عين الفرس.
- نفي السارد إلى قرية عين الفرس.
- بحث السارد عن حقيقة الحكاية وكنه وجوده في عين الفرس.
- تحقيق رجال السلطة مع السارد حول وقائع عين الفرس وأهله.
- السارد والبنت العجيبة.
- نجاة السارد من الموت بعد الانقلاب على النظام القائم.
ويمكن تلخيص كل هذه المحكيات في عنوان كبير ألا وهو: السارد بين الحكي والنفي أو بين القصر والاغتراب.
ويلاحظ أن مختلف هذه التقاطعات تحدد العلاقات النصية بين الواقعي والأسطوري والنظري بحيث يصبح كل محكي يعكس وينعكس في الآن ذاته في المحكي الآخر بطريقة فنية ناضجة. كما يبدو النص مكونا من رأس وذيل، وتتم رؤية الشخوص والأحداث والأماكن، من زاويتين متباعدتين ومتعارضتين: عين أولى في الرأس، وعين ثانية في الذيل، ويؤدي اختلاف مواقعهما إلى تباين الرؤى والتأويلات والأحكام. ويوحي ذلك كله بأن البناء المعماري للرواية يخضع لمبادىء التعقيد والتوتر والتعدد، ولا يمكن الإلمام بدلالاتها إلا في ضوء هذه العناصرالبنائية.