الحي اللاتيني (سهيل إدريس) - قراءة تركيبية

من المفيد لا شك العودة الى الكلاسيكيات والروايات المؤسسة بين الحين والآخر. هذه رواية جيل. جيل ما بعد نهاية الانتداب في المشرق العربي وبدايات الحركات التحررية الكبرى في مغربه. الجيل الذي ذهب الى هذا المستعمر بعد ذلك لينهل المعرفة من جامعاته ولكن ايضا من شوارعه و مقاهيه ودور سينماه و مسارحه ونسائه. هو جيل النزعات القومية العروبية الذي اعتقد ان كل ازمات ومشاكل الوطن العربي ستنتهي بتوحده. هو جيل ترك بلاده على عجل للتحرر من سطوة الام/العائلة/الوطن/المجتمع واكتسب وعيا سياسيا في “مهجره” جعله يعود الى حضن الام/العائلة/الوطن/المجتمع ولكن هذه المرة من اجل التغيير.

رواية لا ريب اننا لو وضعناها خارج سياقها التاريخي وخارج سياق الرواية العربية قد تبدو لنا مملة، بثيماتها المستهلكة والبعيدة عن واقع عالمنا، بلغتها البائدة، والاشكاليات المطروحة التي نكاد لا نستطيع ان نقرأها دون ان نضحك لطوباويتها ولمراهقتها.

يبقى ان سهيل ادريس ينجح في بعض الاحيان ان يلفتك في اماكن قليلة ببعض التقنيات السردية الجيدة وبعض اللمعات. اما الحوار/المونولوغ الداخلي للشخصية الرئيسية فهو غير مقنع على العموم. رغم انني انسقت بعد انقضاء منتصف الرواية مع هموم هذه الشخصية، مسايرة وليس اقتناعا. ولكن هذا بحد ذاته انجاز للروائي. اعجبتني ثيمة علاقة الرجل الشرقي بوالدته، ولو ان طريقة المعالجة والمقاربة التي لم تتحلل من رمزية الام/الوطن/المجتمع افقدت الفكرة اهميتها.

في المحصلة، رواية جديرة بالقراءة رغم كل شيء، لا تستهلك اكثر من يوم او يومين لانهائها، خصوصا بعد انقضاء الفصل الاول، وهي تكتسب كل اهميتها من انها من الروايات القليلة، ان لم تكن الوحيدة التي نشرت في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي عن الحقبة ذاتها، خلافا لكل الروايات التي تتناول هذه الحقبة والتي كتبت فيما بعد (اذكر هنا مثلا رواية غازي عبد الرحمن القصيبي، شقة الحرية) وهي روايات لا “تطرق على الحديد وهو حام” وبهذا المعنى فهذه الرواية تذكرني ببعض روايات فرج الله حايك التي كتبها بالفرنسية في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي عن مرحلة الانتداب الفرنسي للبنان.