مهارة إنتاج نص حكائي - الوصف

أنشطة الاكتساب

تقديم المهارة

توظيف الوصف في نص حكائي يستلزم الانتباه إلى ما يلي:

  • الموصوف: قد يكون شخصية أو فضاء أو موقفا أو أشياء مرتبطة بهذه المكونات.
  • الواصف: وهو السارد بكل سلطته الوصفية بما فيها من رؤية وزوايا وصف ورسائل موجهة إلى المروي له.
  • طريقة الوصف: تختزن أنماط الوصف المتعددة ( الذاتي ـ الموضوعي ـ العام ـ الخاص ـ الواقعي ـ التخييلي ـ الحسي ـ المعنوي…)
  • لغة الوصف: بما فيها معجم وتراكيب وانزياحات وسجلات واستبطان وتعرية وبناء وهدم ومسكوت عنه ومبالغ فيه…

مكونات الوصف من خلال نص الانطلاق

أطراف العملية الوصفية
  • الواصف: يتمظهر في ضمير الغائب، ويبدو أن الواصف/السارد يتخذ موقعا قريبا من الموصوف، بل لعله يعايش الشخصية الموصوفة ويتابعها في حركاتها وسكونها، يعرف سنها وطولها وعرضها وانفعالاتها وذوقها وأحاديثها عمن تحب، وبكل الأشغال التي تؤديها في سبيل بلوغ مرادها، في رؤية تبدو أكثر قليلا من مصاحبة وأقل قليلا من رؤية من الخلف.
  • الموصوف: يقع الوصف في النص على شخصيتين رئيسيتين، وأكثرهما استحواذا على الوصف بطل القصة (الزين)، ويطال الوصف مظهرهما الخارجي وصفاتهما المعنوية بما يخدم حركة الحدث ودلالة الدافع الاجتماعي والنفسي الذي يخلفه.
طريقة الوصف

يتموضع الوصف في لحظة من الزمن وحيز من المكان يؤطر حضور الشخصية بصفاتها المتميزة وعلاقاتها المتشابكة ودوافعها الذاتية والموضوعية، وينطلق الوصف من تحديدات عامة تسم الشخصية وتقدمها للمتلقي جاهزة بما يهيء للحدث أبعاده ودلالاته المتعددة، فالزين فتى صغير شديد الانفعال والتأثر بالجاذبية الأنثوية، وبعض هذا التوصيف العام المرتبط بشكل ميكانيكي بحدث الإعلان عن الإعجاب ببنت العمدة في جمع عام من الرجال يشكل نوعا من التحفيز ويسهم في بناء عناصر الحبكة، فيدفع بالحدث نحو النمو دفعا منطقيا تطفو فيه على سطح الوصف الوظيفة التفسيرية والتبريرية فتربط بين الأطراف الموصوفة. وقد اقتضت خطة الوصف لدى الواصف أن تعرج على المظهر الجسمي للموصوفين الرئيسيين: الأولى ذهبية اللون ، واسعة العينين، سوداء الرموش الطويلة…، والثاني نحيف يابس اللحم، حلو اللسان…، ولكل منهما خاصية مختلفة تنم عن عرف اجتماعي ونمط ثقافي سائد، إذ عزة عزيزة لدى الزين، والعمدة يعز عزة كما يعز حديقته، فيستخدم إعزاز الزين لعزة ليعزز خضرة جنينته وخصوبتها، ويخص الثاني بصفات معنوية يستضمرها المحكي من بدايته إلى نهايته، وتنطق بها الأفعال والوظائف التي تنجزها شخصية الزين

لغة الوصف

يوظف الواصف لغة النعوت والتشابيه والجمل الخبرية الواصفة والعبارات المناسبة للسياقات التداولية النفسية والاجتماعية، والمادة المعجمية الملائمة لرسم الملامح والحركة والأفعال والانفعالات ، وإنطاق الشخصية ودفعها إلى الكلام والبوح بما يصنع موقفها ، ويكشف عن أسرارها وأحاسيسها وأذواقها وثقافتها وجرأتها في حوار مباشر قصير يسخر السجل الدارج بما فيه من بدائل صوتية ومورفولوجية محلية للغة الفصيحة، ويتولى السارد نقل معظم المواقف والحالات بلغة واصفة تصويرية كثيفة لا تخلو من قسوة وتهكم وتندر.

مقصدية الوصف

تتحدد مقصدية الوصف في وظيفتين:

  • وظيفة جمالية: يستهدف بها الواصف خلق اللحظات الممتعة المؤثرة في المتلقي، المثيرة لتوتره، والمحفّزة لتشوقه ورغبته في الإحاطة بعوالم الشخصية الموصوفة المصرح بها والمسكوت عنها، والتي تدفع المتلقي إلى استكمال الصورة عبر مخيلته، واستنادا إلى ذوقه ورؤيته للجمال والحب والعطاء ، وتتأسس هذه الوظيفة على القدرة الخلاقة على استعمال اللغة استعمالا يخرج بها عن المألوف إلى ترتيب لقطات تصويرية تستحضر أطرافا من عوالم مختلفة ( جلد معزة ـ حقل الحنطة قبيل الحصاد …) وترتبط بفيض عاطفي أصيل مرتبط بعالم البداوة البسيط والبريء، حيث يجد أمثال العمدة طرقا للتسلط والسيطرة (منتفض الشاربين ـ ضحكته الخشنة…)
  • وظيفة توضيحية تعبيرية: حيث يكون الوصف قادرا على تحقيق دلالات رمزية لمعنى معين في إطار سياق الحكي، بحيث تصدر إلى المتلقي حزمة من القيم المحمودة والمذمومة يراد منه تمثلها والتفاعل معها قبولا ورفضا كقيمة الجرأة في إعلان الموقف العاطفي ، والتفاني في تحقيق الهدف، وعدم التأسف على ما فات والانطلاق الجامح من جديد، والاستغلال، وعدم الوفاء…

أنشطة الإنتاج

الشيخ والرضيع

عثر الشيخ الضرير عل رضيع مرمي على قارعة طريقه إلى المسجد لأداء صلاة الفجر ، كان بكاؤه يخترق أذني المسنّ المتضعضع، فيصل إلى قلبه الخاشع قبل الهزيع الأخير من الليل بقليل، بعد لحظة ذهول وتأوه تجاذبته الأفكار والهواجس حتى أنسته ما خرج من أجله، ربما لهول المأساة التي استحضرها ، والتي ستطوق عنق هذا الطفل إن كتبت له الحياة ، قرر الشيخ أخيرا أن يؤجل الصلاة ، ويعود بالصبي البريء إلى بيته المتواضع، حمل الصبي بيديه المرتعشتين ، ولامس بأنامله وجهه الصغير الذي تتدفق منه الحرارة رغم برد الليل ، حرارة تحقنها في الجسم كثرة البكاء ولا من راحم، ولا من يد تهدهد الغريب الصغير . قرّب الشيخ الرضيع بيسراه إلى قلبه ، وأحكم قبضته بيمينه على عصاه الغليظة ، وكم كان المشهد مؤثرا في نفسه، ممزقا لقلبه أن يرى الصبي يشد بقوة على طرف ” سلهامه ” يدفع به إلى لسانه فلا يجد ماهو بحاجة إليه، فيستأنف البكاء المرير. مد الشيخ في خطواته المترنحة المقهورة بإجهاد نفسي خلف خورا في جسمه واصطكاكا في ركبتيه اللتين يدفع يهما دفعا وئيدا إلى الأمام محاولا ألا يهويان به إلى الأرض عاجزا عن المشي، تحامل كثيرا على نفسه وعلى عصاه حتى قطع الأمتار القليلة التي تفصله عن البيت المركون في زاوية مظلمة من مشارف حي ” ظهر القنفود ” إحدى الأحياء المهمشة بضواحي مدينة طنجة.

لم يكن بيته سوى غرفة من طوب أسود مسقوفة بالخشب وصفائح الزنك ، مفروشة بحصير من الدوم لا تخلو من طرافة في الصنعة وتناسق الألوان، وعلى جنباتها دكك خشبية وضعت عليها مراتب من ثوب خشن محشوة بالحلفاء، والغرفة موصولة بفناء عار محاط بسياج من أسلاك شائكة تلتف حولها نباتات مخضرة طحلبية ، وأرض الفناء متربة تأخذ حظها من المطر في فصل الشتاء ، ومن أشعة الشمس الحارقة صيفا ، وفي الزاوية اليمنى للفناء مطبخ صغير من خشب به قنينة غاز صغيرة ، وبعض أوان متعبة تثلمت أطرافها، وبجوار الغرفة يسارا كنيف صغير لا باب له.

طرق الشيخ الباب بعصاه طرقات عنيفة فانفتح عن وجه اختلطت فيه الصفرة بالأدمة، وبدت تجاعيده كبالون الأطفال سحب منه الهواء ، كانت ” السعدية ” أو المنارية كما يناديها أهل الحي زوجة الشيخ الأعمى المشهورة بتوليد نساء الحي مقابل بعض ما يتوفر من مال بدون شرط ولا تحديد، حرفة ورثتها عن أم توفيت منذ زمن بعيد، كانت تطلّ بنصف وجهها من باب خشبي نصف مفتوح، بقامتها المقوسة وجسمها النحيف وأسنانها المتناثرة من بين شفتيها الزرقاوين على غير نظام، وأنفها الطويل المعقوف كمضرب كرة الغولف. خاطبت الشيخ بلهجة تخفي وراءها غير قليل من الطيبوبة والود: – رجعتي بكري اليوما ، ياك ما الفقيه صباح ناعس ؟!

تلعثم الشيخ ولم يجد جوابا غير إشارة نحو الصبي الذي بدا مستغرقا في نوم عريض بعد إحساسه بالدفىء في حضن الشيخ الرحيم.

– أَوَعْدي شِنّو هاد الهمّ . صرخت العجوز وحملقت بعينين غاضبتين في وجه الرجل ، فلمحت دمعتين تتلويان على أخاديد وجهه ، وتختفيان في ثنايا لحيته الكثة الشمطاء، دق قلب المرأة العجوز دقات كادت تخور لها قدماها القويتان المسمرتان في الأرض ك ” مِركزين ” من حديد يربط بهما أعتى الفحول، لولا أنها تماسكت ثم قالت: – بعد كل هذا العمر يا الحاج الحْمِيمَرْ

لم ينبس الرجل ببنت لسان ، ودلف إلى البيت فوضع اللفافة فوق المرتبة وهو يقول: – لا حول ولا قوة إلا بالله ، فعايل النساء بحال عقولهم، لكنهن قدر لا بد منه. ثم استرسل في الإقامة فالتكبير، فأطال الصلاة حتى طلع النهار وله خنين كخنين المزكوم.

وهكذا علمت السعدية أن عليها أن تعيش عمرا آخر بجوار ولد ينمو وشيخ يزحف نحو القبر، وكانت كلما تذكرت الشيخ والرضيع تقول: – يعملوها الرجال ويسلكو ، و تحصل فيها المرأة شي بالنّعلة ، تقصد: اللعنة، وشي بْتَمَارا.