المغرب: الاستغلال الاستعماري في عهد الحماية

تمهيد إشكالي

اتجهت سلطات الحماية بعد فرض نظام الحماية على المغرب نحو نهج سياسة الاستغلال الاقتصادي المكثف للأراضي المغربية، فكان لذلك انعكاس سلبي على وضعية الاقتصاد والمجتمع المغربيين.

  • فما هي آليات ومظاهر الاستغلال الاستعماري في عهد الحماية؟
  • وما هي انعكاساته على الاقتصاد والمجتمع المغربيين؟

آليات ومظاهر الاستغلال الاستعماري للمغرب في عهد الحماية

تعددت آليات الاستغلال الاستعماري للمغرب

لجأت سلطات الحماية لآليات مختلفة لتيسير استغلالها لخيرات المغرب، ومن أهم هذه الآليات:

  • إقامة بنية تحتية: حيث شيدت سلطات الحماية شبكة من المواصلات الداخلية والخارجية (الموانئ، الطرق، السكك الحديدية، السدود، المصالح الإدارية ...) لتمتين سيطرتها العسكرية، ولربط المناطق الفلاحية والمنجمية بالموانئ، وتسهيل تصريف المنتجات المصنعة.
  • تشجيع الاستثمارات الأوربية: حيث أنشئت الإقامة العامة مصلحة التجارة والصناعة، وأسست وكالة المغرب بباريس، وحددت مهمتهما في التعريف بمختلف امتيازات الاستثمار بالمغرب لرجال الأعمال الفرنسيين (الإعفاء الضريبي)، فكانت النتيجة تزايد تدفقات الاستثمارات الأجنبية المتوافدة على المملكة، سواء منها الاستثمارات الخاصة التي استثمرتها الشركات والأبناك الرأسمالية، أو الاستثمارات العمومية التي دفعتها الحكومة الفرنسية للإقامة العامة.
  • تشجيع الاستيطان الاستعماري: حيث انتقل العديد من المعمرين من الجزائر وفرنسا نحو المغرب، واستقروا في مناطق حيوية، وقدمت لهم فرنسا تسهيلات كبيرة.

تنوعت مظاهر الاستغلال الاستعماري للمغرب

في الميدان الفلاحي

اكتسى الاستعمار الفلاحي شكلين أساسيين هما:

  • الاستعمار الرسمي: حيث قامت الإقامة العامة بمصادرة أملاك الدولة والجماعات وتوزيعها على المستوطنين الأوربيين بأثمان منخفضة، مع تسهيلات في الأداء.
  • الاستعمار الخاص: استحوذ المعمرون على أراضي الفلاحين المغاربة بوسائل متعددة، كنزع الملكية وإجبارهم على البيع تحت الضغط والتهديد أو بوسائل الإغراء والتعهدات الكاذبة أو بتطبيق نظام المحافظة العقارية ثم سحب كل أرض لم تحفظ من أصحابها، كما سلبت سلطات الحماية أراضي القبائل التي شاركت في المقاومة ضد الاحتلال إلى غير ذلك من الوسائل.

هذا وقد حظيت الفلاحة الاستعمارية بمختلف أشكال الدعم المالي والعلمي والتقني، حيث تميزت الأراضي المستولى عليها بتوفرها على مصادر مهمة من المياه، وعلى خطوط مهمة من المواصلات، هذا ما يفسر تزايد أراضي الاستعمار الخاص أو الرسمي بسرعة كبيرة، بحيث بلغت سنة 1935 م ما قدره 840000 هكتار.

في الميدان الصناعي والمنجمي

شرعت سلطات الحماية عن طريق عدة شركات في استغلال الثروات المعدنية للمغرب، ومن أهم هذه الشركات نجد المكتب الشريف للفوسفاط، وشركة مناجم بوعرفة، وأمنيوم شمال إفريقيا وغيرها، وكانت أرباح الشركات جد مرتفعة بالمقابل كانت أجور العمال المغاربة جد منخفضة، كما أن الاستثمارات الاستعمارية في ميدان الصناعة لم تكن تستهدف وضع قاعدة صناعية قوية، ومن أهم الصناعات التي أقيمت بالمغرب، نجد الصناعات الغذائية والنسيجية والكيماوية والمعدنية، وتمركز أغلبها بالمدن الساحلية، واحتكرت مدينة الدار البيضاء وحدها سنة 1954م حوالي %75 من تلك الاستثمارات و%60 من اليد العاملة.

في الميدان التجاري

كانت المبادلات التجارية تتسم بعدم التكافؤ نظرا لضعف قيمة صادرات المغرب من المواد الفلاحية والمنجمية، وارتفاع قيمة وارداته من المواد المصنعة، مما أدى إلى عجز الميزان التجاري، وكانت معظم المبادلات تتم في المنطقة السلطانية مع فرنسا وفي المنطقة الخليفية مع اسبانيا مما جعل المغرب يخضع للتبعية التجارية.

آثار الاستغلال الاستعماري على الاقتصاد والمجتمع المغربيين

انعكاسات الاستغلال الاستعماري على وضعية الفلاحة والفلاح بالمغرب

كان للهيمنة الاستعمارية على الأراضي الفلاحية المغربية انعكاسات سلبية على الوضعية الاجتماعية والمعيشية للفلاحين المغاربة، وذلك بسبب تركز الأراضي الخصبة في أيادي المستوطنين والقواد الكبار الموالين لسلطات الاحتلال والشركات الأجنبية، بينما اكتفى صغار الفلاحين المغاربة الذين كانوا يشكلون ثلث الساكنة القروية سنة 1952م باستغلال مساحات ضيقة وفقيرة ذات إمكانات زراعية ضعيفة، ناهيك عن خضوعهم لضرائب مجحفة والعمل بدون مقابل، كما كان الفلاحون المغاربة مجبرين على تقديم منتجاتهم بأثمان حددت من طرف سلطات الاحتلال بأثمان منخفضة، بل وكان من المفروض عليهم تقديم كميات أكبر من إمكانياتهم، وازدادت وضعيتهم تأزما في الفترات الجافة، ولقد تسببت تلك التحولات في تفاقم الهجرة القروية، فكان لذلك انعكاس سلبي على وضعية المدينة المغربية.

انعكاسات الاستغلال الاستعماري على وضعية الحرفيين والعمال المغاربة

تعرض الحرفيون المغاربة لأزمات متتالية، ولم يكن في استطاعة مجموعة كبيرة منهم بتقنياتهم التقليدية وإمكانياتهم المادية القليلة الصمود أمام ارتفاع أسعار المواد الأولية، بسبب احتكار إنتاجها من طرف سلطات الاحتلال، كما لم يعد في استطاعتهم مسايرة غزو السلع المصنعة للأسواق المحلية بأثمان منخفضة، فكانت النتيجة انهيار الصناعة التقليدية والحرف المحلية وتعرض العديد منهم للإفلاس.

كما تعرض العمال المغاربة لاستغلال كبير من طرف الشركات الأجنبية، وكانت أجرة العامل المغربي في الفوسفاط تتراوح ما بين 10 و15 فرنك فرنسي في اليوم، وبحدوث أزمة 1929م الاقتصادية انهارت الأجور من جديد ووصلت إلى 3 فرنكات في اليوم سنة 1936م، ولم تتعدى أجرة اليد العاملة النسوية نصف أجرة الرجل، وكانت تعمل الأغلبية الساحقة من العاملين والعاملات كمياومين أو بالقطعة (العطش).

ولكل تلك العوامل حاول العمال المغاربة المطالبة بتحسين ظروف عملهم ووقف عمليات القمع المسلط عليهم من خلال شن إضراب شامل يوم 22 أبريل 1948م، فكان ذلك مبررا لإدارة الفوسفاط والسلطة لتسليط القمع على العمال المضربين بجلدهم والرمي بهم في السجون، وفي حالة فرار العامل المطلوب فإن أفراد عائلته يتعرضون للحبس لإرغام الفار على تسليم نفسه.

حصيلة الاستغلال الاستعماري في مجالات أخرى

كان للاستغلال الاستعماري انعكاسات أخرى، يمكن إجمالها في العناصر التالية:

  • الامتيازات الأوربية: لقد حصل الأوربيون على امتيازات اقتصادية واجتماعية وسياسية، من بينها احتكارهم لمداخيل الفلاحة والصناعة والتجارة الخارجية، علاوة على استهلاكهم لأربعة أخماس الماء والكهرباء، أن كما نصيبهم في الدخل الفردي يفوق نصيب المغاربة.
  • ارتفاع أسعار المواد الغذائية: لقد ازدادت الوضعية الاجتماعية للمغاربة تأزما مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية كالخبز والزيت والسكر خاصة ما بين 1939 و1949م والتي تزامنت مع بعض السنوات الجافة.
  • إجراأت الحماية في المجال الصحي: ركزت سلطات الحماية في المجال الصحي اهتمامها على احتواء وكبح الأمراض والأوبئة، فنهجت المدارس حملة وقائية في صفوف التلاميذ عن طريق التلقيح، لكن تلك الحملة كانت لها محدودية كبيرة لأنها شملت فقط التلاميذ الذين يخترقون الأحياء الأوربية.

كل هذا أدى إلى ازدياد فقر وبؤس المغاربة، وازدياد الهجرة من الريف نحو المدن، وظهور بروليتارية مغربية تعيش في ضواحي المدن في شروط سكنية وغذائية واجتماعية تعيسة.

خاتمة

إن الاستغلال الاستعماري للمغرب قد مس مختلف القطاعات الاقتصادية، وخدم مصالح الرأسمالية الاستعمارية، وأزم وضعية المغاربة، مما ولد لديهم شعورا وطنيا بضرورة مناهضة نظام الحماية.