ضوابط فهم النص الشرعي (القرآن والسنة) - الدرس

الوضعية المشكلة

من خصائص النصوص الشرعية أن الله تعالى قد تكفل بحفظها، إذ هي الحجة التي أنزلها الله على خلقه، فضلا على أنها هي طريق التحليل والتحريم ومعارضتها تقدح في الإيمان، ولفهمها الفهم الصحيح، يبقى من الضروري الجمع بين ظواهر النصوص ومعانيها عند تفسيرها، وذلك في اعتدال دون غلو ولا تقصير، ولكي يتم التعامل مع النص الشرعي بصورة صحيحة لابد أن نحفظ له قداسته وخصوصيته ومكانته، ومعرفة خصائصه وضوابط فهمه، خصوصا مع ما يعيشه العالم الإسلامي اليوم من فوضى على مستوى الفتوى الفقهية وإصدار الأحكام، ولعل السبب في ذلك راجع إلى غياب الضوابط المنهجية في فهم مراد الله تعالى من النصوص الشرعية.

  • فكيف يمكن تجاوز هذا الأمر؟

النصوص المؤطرة للدرس

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾.

[سورة آل عمران، الآية: 7]

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿ … وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ …﴾.

[سورة النساء، الآية: 83]

قراءة النصوص ودراستها

قاموس المفاهيم الأساسية

  • الكتاب: القرآن الكريم.
  • محكمات: واضحات لا احتمال فيها ولا اشتباه.
  • أم الكتاب: أصل القرآن الكريم التي يرد إليها غيرها من المتشابه.
  • متشابهات: خفيات استأثر الله بعلمها، أو لا تتضح إلا بنظر دقيق.
  • زيغ: مَيْلٌ وانحرَافٌ عن الحق.
  • تأويله: تَفسيرِه بما يُوافِق أَهواءهم.
  • يستنبطونه: يستخرجون معناه وحكمه.
  • إلى الرسول: الرجوع إلى السنة النبوية.

مضامين النصوص الأساسية

  • إخبار الله تعالى بتضمن القرآن الكريم لمجموعة من الأحكام البينة والواضحة، وأحكام ومعاني أخرى تحتاج الرجوع إلى أهل العلم لتفسيرها، مع النهي التام عن إتباع أهل التأويل الخاطئ الذين يرغبون في زرع الفتنة، وتغيير مفردات القرآن الكريم.
  • الدعوة إلى رد المسائل والقضايا المتنازع في حكمها إلى السنة النبوية واجتهادات العلماء.

تحليل محاور الدرس ومناقشتها

مفهوم النص الشرعي وخصائصه

مفهوم النص الشرعي

النص الشرعي: لغة: ما ظهر وبرز وعلا وتحرك، ومنه المنصة، واصطلاحا: مجموع ألفاظ القرآن الكريم والسنة النبوية، وما تحمله من معاني وأحكام ومقاصد …، قطعية كانت أم ظنية.

خصائص النص الشرعي

رباني المصدر: فالقرآن الكريم وحي باللفظ والمعنى من عند الله، والسنة وحي بالمعنى، واللفظ من عند رسول الله ﷺ، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ۝ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾.
التنجيم والتدرج: نزل القرآن الكريم على مر 23 سنة حسب الأحداث والوقائع، أو من خلال سؤال أو استفتاء، ومنه ما نزل ابتداء بلا سبب، وكذلك الأمر بالنسبة للسنة النبوية التي نقف على أسباب ورود أحاديث كثيرة.
الإيجاز والإعجاز في أسلوبه: المتمثلان في أسلوبه البلاغي الرفيع الذي أعجز أفصح العرب على الإتيان بمثله، قال الوليد بن المغيرة من كفار قريش: “وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلاهُ مُغْدِقٌ أَسْفَلَهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يَعْلَى، وَإِنَّهُ لَيُحَطِّمُ مَا تَحْتَهُ”، وفي السنة النبوية حدث النبي ﷺ بقوله: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ»
المرونة والسعة: أحكام الشريعة الإسلامية مبنية على الوسطية والاعتدال، لا تشدد ولا غلو ولا تساهل ولا تقصير، وهذا ما يجعلها صالحة للعباد في كل زمان ومكان، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.

مناهج وضوابط استثمار النصوص الشرعية

للنص الشرعي قواعد ومناهج وضوابط لابد من الأخذ بها لفهمه واستنباط الأحكام منه، وفيما يلي بعض هذه الضوابط والمناهج:

  • التسليم المطلق لكلام الله وكلام رسول الله ﷺ، دون نقاش أو جدال: قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا﴾.
  • الاعتقاد الجازم بشمولية النص الشرعي للدين كله: قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾.
  • الجمع بين ظاهر النص ومعناه: فلا يجوز التقصير في فهم النص على ظاهره، إنما لابد من التعمق فيه والوقوف على ما بين سطوره.
  • التفريق بين المعاني الشرعية المقصودة والمعاني اللغوية غير المقصودة: استنباط المعاني من النصوص يستوجب التفريق بين المعاني اللغوية المعجمية، والمعنى الاصطلاحي الشرعي المقصود في استنباط الأحكام.
  • التفريق بين المعاني الحقيقية والمعاني المجازية: المعنى الحقيقي هو اللفظ المستعمل في موضعه، والمجازي هو اللفظ المستعمل في غير موضعه، فلابد من الوقوف عند حقيقة اللفظ.
  • عدم معارضة النص بالعقل: لا ينبغي تأليه العقل على الوحي، لأن العقل خاضع لمقتضات الوحي الشرعي، يقوم بفهمه والامتثال له والانضباط بضوابطه والعمل بأحكامه.
  • التحقق من ثبوت النص وصحته: فلابد من التفريق بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، أما الأحاديث الموضوعة فتعتبر كذبا على رسول الله ﷺ، لا ينبغي الأخذ بها.
  • مراعاة سبب نزول الآيات القرآنية، وسبب ورود الأحاديث النبوية.

حجية النص الشرعي ومطلب الاستجابة للحكم الشرعي

يتضمن القرآن الكريم نصوصا كثيرة تؤكد على حجية القرآن الكريم والسنة النبوية، وفيها أوامر صريحة بضرورة الاستجابة لأحكامهما، ونورد على سبيل المثال لا الحصر:

  • قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾.
  • قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾.
  • قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾.
  • قال تعالى: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾.
  • قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾.
  • قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾.
  • قال ﷺ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ».