الوضعية المشكلة

إن المتأمل في عالمنا المعاصر يجد من العجب كيف أن غير المسلمين يتخلقون بأخلاق الإسلام، لما يجدون فيا من الموافقة للفطرة الإنسانية، في حين تغيب هذه الأخلاق عند كثير من المسلمين في غالب تصرفاتهم، رغم ما بسط لهم القرآن الكريم من صفات المؤمنين الصادقين التي أتي بها لغاية التعرف والتمثل.

  • فما سبب غفلة عدد من المسلمين وابتعادهم عن أوصاف المؤمنين؟
  • فكيف يمكن تضييق الهوة بين الإيمان والعمل والتمثل بأخلاق عباد الرحمان؟

النص المؤطر للدرس

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا ۝ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ۝ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ۝ إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ۝ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ۝ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ۝ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ۝ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ۝ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ۝ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ۝ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ۝ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا ۝ خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾.

[سورة الفرقان، الآيات: 63 – 76]

قراءة النصوص ودراستها

توثيق النصوص والتعريف بها

التعريف بسورة الفرقان

سورة الفرقان: مكية، ماعدا الآيات: 68، 69، 70 فمدنية، وعدد آياتها 77 آية، ترتيبها 25 في المصحف الشريف، نزلت بعد “سورة يس”، وقد سميت بهذا الاسم ‏‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏فيها ‏هذا ‏الكتاب ‏المجيد ‏الذي ‏أنزله ‏على ‏عبده ‏محمد ﷺ،‏ يدور محور السورة حول إثبات صدق القرآن، وصحة الرسالة المحمدية، وحول عقيدة الإيمان بالبعث والجزاء، كما تناولت بعض القصص للعظة والاعتبار.

نشاط الفهم وشرح المفردات

قاموس المفاهيم الأساسية
  • هونا: بسكينة ووقار وتواضع.
  • قالوا سلاما: قولا سديدا يسلمون به من الأذى
  • كان غراما: لازما دائما غير مفارق.
  • لم يقتروا: لم يُضيّقوا تضييق الأشحّاء.
  • قواما: عدلا وسطا بين الطّرفين.
  • يلقى آثاما: عقابا وجزاء في الآخرة.
  • اللغو : كل كلام أو فعل باطل وكل ما يُستقبح.
  • مرّوا كراما: مُكرمين أنفسهم بالإعراض عنه.
  • لم يخروا: لم يسقطوا ولم يقعوا.
  • قرّة أعين: مسرّة وفرحا.
  • إماما: قدوة وحجّة أو أئمّة.
  • يُجزون الغرفة: أعلى منازل الجنّة وأفضلها.
مضامين النصوص الأساسية

بيانه تعالى أهم الصفات العظيمة التي يتحلّى بها عباد الله الصالحين، الذين استحقوا بأعمالهم واستقامتهم تشريفهم ونسبهم للرحمن.

تحليل محاور الدرس ومناقشتها

عباد الرحمان وحقيقتهم

من هم عباد الرحمان؟

عباد الرحمان هم العباد الذين شرفوا بالانتساب إلى الله تعالى (إشعارا بأنهم أهل لرحمة الله تعالى)، فهم عباد الله الصالحين الذين يتصفون بطهارة القلب واستقامة اللسان، والصادقين في القول والعمل، والذين يُؤثِرون الناس على أنفسهم، ويسعون في تقديم الخير …

حقيقة عباد الرحمان
  • التواضع والسكينة والوقار: فهم يمشون على الأرض بتواضع دون تكلف، ولا تصنع ولا خيلاء، فتظهر أنفسهم المطمئنة الساكنة من خلال مشيهم الوقور الساكن والقوي بالوقت ذاته، دون تذلل أو انكسار أو تنكيس الرؤوس، قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾.
  • الإعراض عن الجاهلين وعدم مقابلة السيئة بمثلها: فهم يترفعون عن سفاهة الحمقى وجدالهم والعراك معم، ليس عجزا أو ضعفا، بل لأن لديهم أهداف واهتمامات كبيرة تشغلهم عن الخوض في سفاهات الأمور، ولا يُضيعون وقتهم الثمين في الجدال، وأيضا يصفحون ويعفون عن الإساءة ويدفعون السيئة بالحسنة، قال تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾.
  • قيام الليل والتهجد والدعاء: فهم يقضون ليلهم بالصلاة، ومحاسبة النفس ومراقبة الله في أعمالهم، والتضرع إلى الله عز وجل بأن يقيهم عذاب النار، كما تُعبر الآيات عن خوفهم وفزعهم من النار، وقدرة تصورهم للنار وسوء العاقبة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾.
  • الاعتدال في الإنفاق: فهم يتصفون بصفة التوسط والاقتصاد في الإنفاق، فالمسلم مُلزم بالتوسط بين الإسراف والتقتير، فلا يحبس ماله عنه ولا ينتفع به، ولا يُسرف بغير حساب، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾.
  • توحيد الله عز وجل: عباد الرحمان يخلِصون في عبوديتهم وتوحيدهم لله عز وجل، وهذه الصفة هي أساس العقيدة السليمة، وأهم ثمرات الإيمان وأعظمها، وسبب لمغفرة الذنوب ودخول الجنة، قال تعالى: ﴿والَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهًا آَخَرَ﴾.

عباد الرحمان وحقيقة الاستخلاف

  • تجنب قتل النفس: عباد الرحمان يبتعدون عن ظلم الناس وإنهاء حياتهم بدون وجه شرعي، فهم يحفظون حرمة النفس وقداستها، فلا يسفكون الدم الحرام، قال تعالى: ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلَّا بِالْحَقِّ﴾.
  • البعد عن الزنا: عباد الرحمان يتسمون بالبعد عن الزنا بكل أشكالها، وأيضا البُعد عن السبل التي تؤدي إلى الزنا كالنظر إلى المُحرمات، والاختلاط، وإضاعة الوقت في المُغريات …، قال تعالى: ﴿وَلَا يَزْنُونَ﴾.
  • الترفع عن الظلم: هذه سمة أخرى لعباد الرحمن الصادقين الذين يترفعون عن قول الزّور، كظلم الناس بشهادة باطلة، أو الإعانة على الظلم، أو تضييع حقوق العباد …، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾.
  • الترفع عن اللغو: عباد الرحمن يترفعون ويصونون أنفسهم عن الخوض في لغو الكلام أو حتى سماعه، ويُكرمون أنفسهم بالترفّع عن هذه المجالس، ويُشغلون أنفسهم بما يُرضي الله عز وجل، وينفعهم في الدنيا والآخرة …، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾.
  • التأثر بآيات الله تعالى: يخشع عباد الرحمن المبصرون عند سماع آيات القرآن الكريم، ويتفاعلون معها، ويدركون المغزى منها، فلا يَدَعون الآيات تمر عليهم دون تدبُر، أو تفكُر، أو عمل، فيطبقون ما أتى به القرآن، ويتجنبون ما نهى عنه …، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾.
  • السعي للصلاح والإصلاح: عباد الرحمن المتقون لا يقتصرون على صلاح أنفسهم، بل يسألون الله عز وجل أن يرزقهم الأزواج والذرية الصالحة، وأيضا يدعون بأن يكونوا قدوة وإماما للخير …، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.