إكمال الدين ووفاة الرسول صلى الله عليه وسلم - الدرس

نصوص الانطلاق

قال تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )

[المائدة: 3]

وقال عز وجل: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )

[آل عمران: 144]

الشرح

  • الْيَوْم أَكْمَلْت لَكُمْ دِينكُمْ: أَحْكَامه وَفَرَائِضه فَلَمْ يَنْزِل بَعْدهَا حَلَال وَلَا حَرَام.
  • وَأَتْمَمْت عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي: بالهداية إِلى الإيمان وإِكْمَالِ الدين وَقِيلَ بِدُخُولِ مَكَّة آمِنِينَ.
  • انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابكُمْ: رَجَعْتُمْ إلَى الْكُفْر.

تحليل عناصر الدرس

إكمال الدين ونجاح الدعوة

تمت أعمال الدعوة، وإبلاغ الرسالة، وبناء مجتمع جديد على أساس إثبات الألوهية للّه، ونفيها عن غيره، وعلى أساس رسالة محمد صلى الله عليه وسلم رسالة الإسلام الدين الخالد، الذي اكتمل وتمت به نعمة الله على عباده. والذي يصلح لكل زمان ومكان لا ينقصه شيء، ولا يقبل التطوير أو التعديل أو التقديم أو التأخير. فهو الدين الذي لا يُقبل من العباد غيره، قال تعالى: ) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( [آل عمران 85]

وفي قوله تعالى: ) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ( يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ” هذه أكبرُ نِعَم الله – تعالى – على هذه الأمَّة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينَهم، فلا يحتاجون إلى دينٍ غيره، ولا إلى نبيٍّ غير نبيِّهم – صلَوات الله وسلامُه عليه – ولهذا جعله الله تعالى خاتمَ الأنبياء، وبعَثَه إلى الإنسِ والجنِّ، فلا حلالَ إلاَّ ما أحلَّه، ولا حرام إلاَّ ما حرَّمه، ولا دين إلاَّ ما شرعَه، وكلّ شيء أخبرَ به فهو حقّ وصدق لا كذب فيه ولا خُلف، كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً ﴾ [الأنعام: 115]؛ أي: صدقًا في الأخبار، وعدلاً في الأوامر والنَّواهي، فلمَّا أكمل لهم الدّين تمَّت عليهم النِّعْمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ﴾؛ أي: فارضوه أنتُم لأنفُسِكم، فإنَّه الدّين الَّذي أحبَّه الله ورضِيَه، وبعث به أفضل الرُّسُل الكرام، وأنزل به أشرفَ كتُبِه”.

وعن عُمر بن الخطَّاب – رضي الله عنْه – أنَّ رجلاً من اليهود قال له: يا أميرَ المؤمنين، آيةٌ في كتابِكم تقرؤونَها، لو علينا – معشرَ اليهود – نزلت لاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: أيّ آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا ﴾، قال عمر: “قد عرفْنا ذلك اليوم، والمكان الَّذي نزلت فيه على النَّبيّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – وهو قائمٌ بعرفة يوم جمعة”. متفق عليه

مرض الرسول صلى الله عليه وسلم

بعد عودته صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع بقي في المدينة النبوية شهري محرم وصفر، وفي أواخر صفر وأوائل شهر ربيع الأول ابتدأ به المرض.

وقد مرّ مرض النبي صلى الله عليه وسلم بمراحل مختلفة: بدأ بالصداع ثم اشتد عليه، فاستأذن نساءه في أن يمرض في بيت عائشة، فبقي في بيتها حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، وكان في أول الأمر يخرج إِلى المسجد فيصلي بالصحابة، ثم لما عجز عن الخروج استخلف أبا بكر على الصلاة.

وقد أوصى صلى الله عليه وسلم في مدّة مرضه ببعض الوصايا منها:

  • الوصية بالأنصار رضي الله عنهم وإِكرام كريمهم والتجاوز عن مسيئهم.
  • الوصية بإِخراج المشركين من جزيرة العرب.
  • الوصية بالصلاة، وبمِلك اليمين من العبيد والخدم وما شابههم من الضعفاء.
  • إِحسان الظن بالله، قال صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام: لا يموتن أحدكم إِلا وهو يحسن الظن بالله عَزَّ وَجَلَّ.
  • التحذير من اتخاذ قبره مسجدا.
  • التحذير من التنافس في الدنيا والاقتتال عليها فإِن ذلك من أسباب الهلاك.

وفاة النبي صلى الله عليه وسلم

لما أخذه صلى الله عليه وسلم غَشْـيُ الموت كان بجواره إِناء فيه ماء فكان يدخل يديه في الماء ويمسح بهما وجهه ويقول: لا إِله إِلا الله إِن للموت سكرات.

ثم ثَقُل واشتدّ وجعه حتى لم يستطع النطق، فكان يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، فكان آخر ما قاله: اللهم بالرفيق الأعلى ثلاثًا.

ووصل الخبر إِلى الصحابة بالمسجد وفيهم عمر بن الخطاب، فكان ذلك صدمة شديدة عليهم، ثم جاء أَبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: «اجْلِسْ»، فَأَبَى، فَقَالَ :«اجْلِسْ»، فَأَبَى، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ، وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ: ” أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا.

وكانت وفاته يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من هجرته – صلى الله عليه وسلم -، وعمره ثلاث وستون سنة، وفي يوم الثلاثاء وغُسّل وكُفن في ثياب بيض ثلاث سُحوليّة من قطن، ليس فيها قميص ولا عمامة. ودُفن في مكانه الذي توفي فيه في بيت عائشة رضي الله عنها. وصلّى الناس عليه أرسالا يدخل قوم فيصلون ثم يخرجون ولا يؤمهم أحد.