منهجية مقاربة النص

یجب اعتبار النص المادة التي سینصب علیها التفكیر، لذا تجب قراءته قراءة متأنیة للتمكن من وضع النص في سیاق موضوعات المقرر، وبالتالي اكتشاف أطروحة المؤلف وموقعتها داخل الإشكالیات المثارة حول قضیة أو إشكالیة أو مفهوم... ویجدر بنا أن نشیر، في هذا المقام، إلى أن منهجیة المقاربة یحددها السؤال المذیل للنص، علما بأن النصوص عادة ما تطرح في السنة النهائیة للتحلیل والمناقشة بالنسبة لجمیع الشعب. وعلیه، نرى أن منهجیة مقاربة النص لا تخرج من حیث الشكل على أیة كتابة إنشائیة (مقدمة – عرض – خاتمة)، إلا أن لِمقاربة النص الفلسفي خصوصیات تحددها طبیعة مادة الفلسفة نفسها. وسنعمل في التالي على بسط منهجیة هذه المقاربة على ضوء تلك الخصوصیات.

طبیعة المقدمة

إن المقدمة تعتبر مدخلا للموضوع، لذا یجب أن تخلو من كل إجابة صریحة عن المطلوب، حیث یفترض ألا توحي بمضامین العرض، لأنها بهذا الشكل تمنع من استكشاف ما هو آت، وخصوصا لأن المقدمة ستكتسي شكل إجابة متسرعة.

كما أن المقدمة تعبیر صریح عن قدرات وكفایات عقلیة، یمكن حصرها في الفهم (الأمر یتعلق هنا بفهم النص وفهم السؤال)، وبناء الإشكالیة. وعلیه، یجب أن تشتمل المقدمة على ثلاث لحظات أساسیة یتم فیها الانتقال من العام إلى الخاص: أي من لحظة تقدیم عام هدفه محاصرة الإشكالیة التي یتموقع داخل النص، تلیها لحظة التأطیر الإشكالي للنص، وبالتالي موقعته (النص) داخل الإطار الإشكالي الذي یتحدد داخله، ثم الانتهاء بلحظة ثالثة تتمثل في طرح الإشكالیة من خلال تساؤلات یمكن اعتبارها تلمیحا للخطوات التوجیهیة التي ستقود العرض.

علما بأن طرح الإشكالیة لیس مجرد صیغة تساؤلیة، وإنما هو طرح للتساؤلات الضروریة والمناسبة، والتي یمكن اعتبار الكتابة اللاحقة إجابة عنها. هكذا یمكن الاقتصار أحیانا على تساؤلین أساسیین: تساؤل تحلیلي (یوجه التحلیل)، وتساؤل نقدي تقویمي (یوجه المناقشة)، علما بأن هناك أسئلة أخرى یمكن اعتبارها ضمنیة نهتدي بها داخل فترات من العرض، حفاظا على الطابع الإشكالي للمقدمة.

إن المقدمة – إذن – لیست استباقا للتحلیل، ذلك ما یحتم الحفاظ على طابعها الإشكالي، ومن خلال ذلك الحفاظ على خصوصیة مرحلة التحلیل التي یفترض أن تكون لحظة تأمل في النص، من أجل الوقوف على الطرح المعروض داخله وإبراز خصوصیاته ومكوناته.

طبیعة العرض

یمكن اعتبار العرض إجابة مباشرة على الإشكالیة، ومن ثمة فإن العرض یتضمن لحظتین كتابیتین أساسیتین، هما لحظتا التحلیل والمناقشة.

لحظة التحلیل

إن هذه المرحلة من المقاربة عبارة عن قراءة للنص من الداخل لاستكشاف مضامینه وخبایاه، وبالتالي تفكیك بنیته المنطقیة وتماسكه الداخلیین، كأننا نحاول أن نتأمل عقلیة المؤلف لفهم الأسباب التي جعلته یتبنى الطرح الذي تبناه، ویفكر بالطریقة التي فكر بها. ومن ثمة، لابد من توجیه التحلیل بالأسئلة الضمنیة التالیة: ماذا یصنع المؤلف في هذا النص، أو ماذا یقول ؟ كیف توصل إلى ذلك ؟ ما هي الحجاج التي وظفها للتوصل إلى ما توصل إلیه ؟

فالسؤال الضمني الأول یحتم إبراز الموقف النهائي للمؤلف من الإشكالیة التي عالجها و/أو إبراز طبیعة أهمیة الإشكالیة التي أثارها ... والسؤال الضمني الثاني یدفع إلى التدرج الفكري مع المؤلف، والسیر معه في أهم اللحظات الفكریة التي وجهت تفكیره. أما السؤال الضمني الأخیر فهو سؤال یستهدف الوقوف عند البنیة الحجاجیة التي تبناها المؤلف، وبالتالي الوقوف عند الحجاج الضمنیة والصریحة التي وظفها لدعم أطروحته، وتحدید خصوصیتها، وطبیعتها ...

فالتحلیل – إذن – هو لحظة تأمل في المضامین الفكریة للنص وهو في الآن ذاته لحظة الكشف عن المنطق الذي من خلاله بنى المؤلف تصوره.

لحظة المناقشة

إن المناقشة لحظة فكریة تمكن من توظیف المكتسب المعرفي، بشكل یتلاءم مع الموضوع، بحیث یجب التأكید، في هذا المقام، على أن المعلومات المكتسبة تؤدي دورا وظیفیا ومن ثم یجب تفادي السرد والاستظهار... وبعبارة أخرى، علینا أن نستغل المعلومات الضروریة بالشكل المناسب، بحیث یصبح مضمون النص هو الذي یتحكم في المعارف ولیس العكس. هكذا سنتمكن من اعتبار المناقشة شكلا من أشكال القراءة النقدیة لأطروحة النص، التي تكتسي غالبا صورة نقد داخلي و/أو خارجي تتم فیه مقارنة التصور الذي یتبناه النص بأطروحات تؤیده وأخرى تعارضه، وذلك من خلال توظیف سجال نحرص من خلاله على أن نبرز مواطن التأیید أو المعارضة.

طبیعة الخاتمة

یجب أن تكون الخاتمة استنتاجا تركیبا مستلهما من العرض، أي استنتاجا یمكن من إبداء رأي شخصي من موقف المؤلف مبرر (إن اقتضى الحال) دون إسهاب أو تطویل. فمن الأهداف الأساسیة التي یتوخاها تعلم الفلسفة تعلم النقد والإیمان بالاختلاف.