اللغة العربية جذع مشترك علوم - الدورة 1 الفرض 1 النموذج 1

حصل المعطي على وظيفة بسيطة في إدارة بمبنى صغير، بصحبة زملاء بسطاء جدا. كان منشغلا فقط بصناعة الأمل ورسم الحياة...كان يعيش في حي المدينة العريقة التي يفوح منها عبق الإنسان والزمن، هناك في هذا الحي، قلب الأصالة وميراث الأجداد، توثقت علاقة المودة بين المكان والإنسان.

وبعد بضع سنوات تغير كل شيء، وحده المعطي ظل كما هو، جالسا في مكانه يرقب زملاءه وهم ينتقلون من الغرف الضيقة الباردة إلى غرف واسعة مكيفة، يتفرج على سياراتهم الأنيقة وعلى هواتفهم المحمولة البراقة. فكر المعطي ولأول مرة في حياته قائلا لنفسه: "لم لا أكون مثلهم؟ كيف أغير إيقاع حياتي؟". ظل يفكر ويحلم بدخول عوالم جديدة...بالرصيد البنكي، بالعمارات، بالزوجة الجميلة، بالثراء والمكانة الاجتماعية المرموقة. لابد لي أن أحصل على هذه الأشياء ". خطط فقرر أن يغير حياته. دلف إلى مكتبه ...تقدم نحو شيخ، حاول المعطي أن يسلك معه سبيلا مهنيا. نجح في مسعاه دون أن يبذل جهدا كبيرا، فقد مد الشيخ يده إلى جيب جلبابه وأخرج كيسا حائل اللون، أخذ منه ورقة نقدية متآكلة وسلمها له بحرص شديد، شعر المعطي ببعض الخجل، فعجز عن النظر إلى محيا الشيخ، لكنه رأى جيدا يده المعروقة، كانت حول معصمه ساعة بلاستيكية تشير إلى العاشرة صباحا ودقائق معدودة.

مرت الأيام والشهور، بدا بعدها يحس أحيانا وكأن يدا تمتد لتعتصر رقبته، ساءت الأمور.أحس أنه فقد شيئا ثمينا لا يباع ولا يشترى، فارقه النوم، سيطر عليه القلق والهواجس، ما أقسى الشعور بتأنيب الضمير! قصد المعالجين والعرافين. نصحه واحد منهم أن ما أصابه إنما هو نتيجة مرض روحي ولابد لشفائه من نذر وصدقة وقرابين وأشياء أخرى... ولا بد لذلك من أموال كثيرة. أشفقت عليه زوجته من هذا العناء فنصحته: لم لا تزور طبيبا نفسيا؟". فرد عليها: لست مجنونا يا امرأة التعيس، لعلك من فعل بي هذا...". غادر مكتبه ذات صباح وركب سيارته، وبمجرد إقفاله الباب، رأى اليد تطارده، رآها لأول مرة وقد امتدت إليه عبر زجاج السيارة لتطبق عليه. كانت يدا معروقة تحمل ساعة بلاستيكية رخيصة تشير إلى العاشرة صباحا ودقائق معدودة...مات المعطي، ومن الطمع ما قتل.