الإتقان عبادة وعملا (فضاء التربية الإسلامية)
مدخل تمهيدي
رافقت أخاك إلى الملحقة الإدارية من أجل تسلم وثيقة لاستكمال ملفه للترشيح لمباراة توظيف، وبعد طول انتظار خرج الموظف من مكتبه مخاطبا الناس: ارجعوا بعد صلاة الجمعة لتسلم وثائقكم. غضب الناس وضجت الملحقة بأصواتهم. استوقف أخوك الموظف قائلا: لم ينته وقت العمل بعد، لكنه لم يكترث له، وغادر الملحقة قائلا: الوقت وقت عبادة، ولا مجال لدي للجدال العقيم.
- ما تعليقك على ما صدر من الموظف وأخيك؟
- ما الأولى في نظرك إتقان العبادة أو إتقان العمل؟
النصوص المؤطرة للدرس
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ۩ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ۩ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ۩ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾. [سورة ق، الآيات: 31 - 32 - 33 - 34] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّلَامَ، قَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ، صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَعَلَيْكَ السَّلَامُ»، ثُمَّ قَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا عَلِّمْنِي، قَالَ: «إِذَ قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا». [صحيح البخاري،كتاب الأدب، أبواب صفة الصلاة] قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾. [سورة لقمان، الآية: 33] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ». [شعب الإيمان للبيهقي] |
توثيق النصوص والتعريف بها
التعريف بسورة ق
سورة ق: مكية إلا الآية 38 فمدنية، عدد آياتها 45 آية، ترتيبها الخمسون في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة “المرسلات”، تعالج السورة أصول العقيدة الإسلامية “الوحدانية، الرسالة، البعث”، ولكن المحور الذي تدور حوله هو موضوع “البعث والنشور”، حتى ليكاد يكون هو الطابع الخاص للسورة الكريمة.
التعريف بأبي هريرة
أبو هريرة: هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هريرة، ولد سنة 21 ق هـ، وتوفي سنة 59 هـ، وله في كتب الحديث 5374 حديثا.
التعريف بصحيح البخاري
صحيح البخاري: هو أصح كتب الحديث النبوي عند أهل السنة والجماعة، جمعه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وأسماه: «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه»، وقد بوبه حسب الموضوعات الفقهية، وقد نقل الإمام النووي وإجماع الأمة على صحته،كان عمر الإمام البخاري يوم ابتداء جمعه وكتابته 16 سنة، وانتهى منه وعمره 38 سنة.
التعريف بسورة لقمان
سورة لقمان: مكية، ماعدا الآيات 27، و28، و29 فهي مدنية، عدد آياتها 34 آية، ترتيبها 31 في المصحف الشريف، نزلت بعد سورة “الصافات”، ولقمان اسم لأحد الصالحين اتصف بالحكمة، سميت بهذا الاسم لاشتمالها على قصة لقمان الحكيم التي تضمنت فضيلة الحكمة، وهي من السور المكية التي تعالج موضوع العقيدة، وتعني بالتركيز على الأصول الثلاثة لعقيدة الإيمان (الوحدانية، والنبوة، والبعث والنشور).
نشاط الفهم وشرح المفردات
مدلولات الألفاظ والعبارات
- وأزلفت: تزينت.
- أواب: كثير الرجوع لله تعالى.
- بالغيب: ما خفي من علم الإنسان.
- تطمئن: ترجع المفاصل إلى موضعها العادي.
- اخشوا يوما: خافوا يوم القيامة.
- تغرنكم: تخدعكم.
- الغرور: الشيطان.
المضامين الأساسية للنصوص
- إكرامه سبحانه وتعالى للمتقين بتزيين الجنة لهم، وبيانه أن من أسباب الفلاح والفوز بالجنة الخوف من الله تعالى عن ظهر الغيب.
- ارشاده عليه الصلاة والسلام الرجل السائل إلى إتقان الصلاة.
- تحذيره سبحانه وتعالى من خطر الاغترار بالدنيا والشيطان.
- بيانه عليه الصلاة والسلام أن من أسباب الفوز بحب الله ورضاه إتقان العمل.
مفهوم الإتقان وحث الإسلام عليه
مفهوم الإتقان
الإتقان: هو إحكام الشيء وتأديته على أكمل وجه، مع بذل الجهد والفكر في تطويره وتجويده وضبطه على أحسن وجه، وإكماله وعدم تركه ناقصا.
حث الإسلام على الإتقان
تجويد الشيء وإحسانه وإتقانه من المطالب الشرعية العظيمة في ديننا، فقد حثت الشريعة الإسلامية على الإتقان، فهو أمانة، ومما بني عليه الدين، فينبغي للمسلم أن يعود نفسه عليه، فهو سمة أساسية في الشخصية المسلمة، فالمسلم مطالب بالإتقان في كل أعماله تعبدية كانت أو سلوكية أو معاشية، كما أنه لا يكفي في العمل أن يكون صحيحا، بل لابد أن يكون صحيحا ومتقنا، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليلموس ، قال: «إِنَّ الَّلهَ تَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ».
مجالات الإتقان وثمراته
مجالات الإتقان
الله سبحانه يحب من سلوك المؤمن الإتقان، وهذا يشمل أعمال الدنيا وأعمال الآخرة
الإتقان في العبادات
حث الإسلام على إتقان سائر العبادات، واعتبر ذلك شرطا في قبولها، ومن مظاهر الإتقان في العبادة:
- إتقان الوضوء: ويكون بأداء فرائضه وسننه على أكمل وجه، قال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ}. صحيح مسلم.
- إتقان الصلاة: ويكون بالاستعداد لها بالطهارة والخشوع والطمأنينة …، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل المسيء في صلاته: {ارجع فصل فإنك لم تصل}. صحيح البخاري.
- إتقان الصيام: وذلك بشروطه وأركانه مع اجتناب كل ما يبطله أو ينقص من أجره، قال صلى الله عليه وسلم: {من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه}. صحيح البخاري.
- إتقان الحج: وذلك بأداء المناسك من فرائض وواجبات ومستحبات على أحسن وجه، قال صلى الله عليهوسلم : {من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من حجه كيوم ولدته أمه}. رواه البخاري ومسلم.
- إتقان تلاوة القرآن: وتتم بإخلاص النية لله، والتأدب مع القرآن، واحترام قواعد التجويد …ـ قال صلى الله عليه وسلم: {الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة}. صحيح مسلم.
الإتقان في الأعمال الدنيوية
ومعناه: أن تعمل عملا على أحسن وأكمل صورة دون تأخير في الإنجاز، ولقد حث الإسلام على إتقان العمل وتحسينه وتجويده، سواء كان هذا العمل دنيويا أو أخرويا، لما في ذلك من شعور بالراحة النفسية، ونشر للمحبة بين أفراد المجتمع، وكسب للأجر العظيم، قال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾. التوبة، الآبة: 106. وقال صلى الله عليه وسلم: {إن الله تبارك وتعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه}. رواه البيهقي.
ثمرات الإتقان
- نيل رضا الله.
- حصول البركة.
- الرفعة في الدنيا والآخرة.
- رقي وازدهار الأمة.
- الإتقان سبب البقاء والقدرة على المنافسة