مجتمع المعرفة - تحليل نص 'مجتمع المعرفة' لمحمد القباج

مدخل مفاهيمي

مجتمع المعرفة هو مجتمع مابعد الحداثة والصناعة، مجتمع المعرفة الرقمية الهائلة، مجتمع يحسن استثمار المعلومة لتدبير شأنه وشأن العالم.

من خصائص مجتمع المعرفة:

  • تدعيم الموارد الطبيعية والمالية والقوة العاملة بالكفاءة والقدرة على الابتكاروالإبداع المدعوم بالحواسيب والبرمجيات.
  • الاستغناء عن الطريقة التقليدية في التفكير والتأمل واستبدالها بالمعالجة الرقمية الدقيقة والسريعة للبيانات، وما تتيحه من قدرة على تقاسم المعرفة وحفظها واستعادتها..
  • تحويل الوسائط المادية إلى وسائط إلكترونية، والاعتماد على خبرة الموارد البشرية بالمعرفة الحاسوبية في إدارة كل العمليات المرتبطة بالتنمية.
  • الاعتماد على قاعدة بيانات عريضة جدا ومتقدمة ومحينة، باعتبارها من أهم مكونات رأس المال في الحضارة التكنولوجية الراهنة، وتقدم أي مجتمع مرتبط أساسا بمطاردة المعلومة والرغبة في الحصول على آخر مخرجات التطور والقدرة على استثمارها.
  • عدم التقيد بالتواجد في نفس الحيز الجغرافي للمشاركة في إنجاز مشاريع معرفية.
  • الارتكاز على ثورة الاتصالات والذكاء الاصطناعي لإنجاز عمليات ضخمة أو معقدة.

من شروط الانخراط في مجتمع المعرفة:

  • تأهيل المجتمع للحصول على الكفاءة اللازمة لدخول عهد العولمة.
  • المواكبة الفورية للثورة المعرفية والتدفق المعلوماتي الهائل في كل لحظة.
  • توفير بنية تحتية مادية: مثل قاعات الاجتماعات ولوحات المناقشة
  • توفير بنية تحتية تكنولوجية: مثل تقنيات تقاسم المعلومات والقوائم البريدية الإلكترونية والبوابات السيبرانية (القائمة على الإنترنت)، وصفحات الويكي وحجرات المحادثة وعقد المؤتمرات المرئية (فيديوكونفرس) والاجتماعات التخيلية الافتراضية، وبيئات التطوير من خلال التعاون، والتعلم عن بعد.

سياق النص

النص لمحمد القباج، باحث مغربي في الفلسفة والتربية، يستهدف بلورة رؤية تحسيسية لدى القارئ العربي الإسلامي بما يحصل من تطور سريع جدا على كافة المستويات، مما ينبغي أن يحمل محمل الجد حتى لايبقى جزء من العالم خارج نطاق العولمة، بعيدا عن المشاركة في المشهد الحضاري العالمي الراهن، تفصله عن المجتمع الرقمي واقتصاد المعرفة هوة عميقة.

ملاحظة النص

يتألف عنوان النص ” مجتمع المعرفة” من كلمتين أضيفت إحداهما إلى الأخرى إضافة أفادت تعريفا وتحديدا، وأشرت على أن المعرفة أضحت تحتل مركز الصدارة في كل المجتمعات المنخرطة بفعالية في تأثيث مشهد العولمة وترتيب فضاأت عالم ما بعد الحداثة والصناعة، حيث المعرفة الرقمية المستندة إلى معالجة المعلومة بالدقة المتناهية والسرعة الفائقة، واستثمارها وتطويرها أساس التقدم وسره الكبير.

بين عنوان النص والمصدر الذي أخذ منه “مقاربات في الحوار المواطنة ومجتمع المعرفة” أكثر من علاقة، لعل أبرزها أن مقومات المواطنة الصحيحة آلت إلى القدرة على بناء مجتمع منسجم متحاور ممتلك للأدوات المعرفية المستثمرة في المشاركة في صناعة مستقبل الإنسان في عالم تتحكم فيه المعرفة المتسارعة المتداخلة لعوالم الاقتصاد والسياسة والثقافة والخدمات…

فهم النص

يتشكل المحمول الدلالي المباشر للنص من مجموعة من المفاصل الفكرية نعرضها فيما يلي:

  • بزوغ نمط حضاري جديد مع الثورة التكنولوجية أقصى طرق التفكير التقليدية المبنية على إعمال الفكر والتأمل النظري المجرد، وأبدع المعالجة الرقمية للمعلومة بالسرعة والدقة الفائقتين.
  • مفهوم الرقمنة قائم على تحويل ما كان وسيطا ماديا محسوسا إلى ما صار وسيطا إلكترونيا غير مادي مخزّنا حاسوبيا وقابلا للمعالجة المعلوماتية.
  • مقارنة الكاتب بين العصر الصناعي المرتهن إلى تقنيات الكتابة والقراءة وعمليات التذكر والتعقل الطبيعية، والعصر المعلوماتي المستند على برامج وآليات أوكل إليها إنجاز هذه العمليات بسرعة أكبر ودقة متناهية معزولة عن إمكانات الخطأ وسياقات انعدام التركيز واحتمال التعب والإجهاد، أي أن العصر المعلوماتي أسند الذكاء الطبيعي بذكاء اصطناعي سريع ودقيق في البحث عن المعرفة وإنتاجها وتنظيمها وتخزينها وتذكرها ومعالجتها.
  • ترسيخ التطورات الإلكترونية المتسارعة نظاما عولميا جديدا وصلت فيه تقانة الحواسيب والاتصالات والوسائط المتعددة إلى أعلى درجات دقتها وقوتها وصغر حجمها، مما جعل العالم سوقا واحدة كبرى مخترقة حدود الأوطان والمعتقدات والثقافات، تتحكم فيها شركات عابرة للقارات متعددة الجنسيات.
  • دمج عصر المعلوميات المتضادات في عالم واحد متشابك يتداخل فيه ما هو مادي بما هو معرفي، ما هو إنساني بما هو آلي، ما هو واقعي بما هو خيالي، ماهو لعب بما هو عمل وتعلم…، بمعنى أن تكنولوجيا المعلومات بصدد ممارسة سلطة تحد من سلطة الإنسان وتفضي في النهاية إلى تغريبه وسلب إرادته والتلصص على خصوصياته، وإدماجه ضمن سلطة الآلة والبرامج ومخرجاتها الرقمية المداهمة له رغم ما توحي به من آفاق الحرية والتعدد.
  • تغيير مجتمع المعرفة منهجيات الحكامة الاقتصادية، من حيث تسعير المعرفة الحاسوبية ليصبح امتلاكها مرهونا بإمكانات ضخمة وإرادات سياسية جريئة وخيارات اقتصادية صعبة، وهو ما أحدث شرخا بين الأمم والشعوب، أصبحت بموجبه بين الدول التي لا تمتلك هذه الثروة المعرفية في صيغتها المادية الرقمية وبين من تمتلكها فجوة كبيرة هي إحدى معيقات العولمة.

تحليل النص

أسلوب النص أسلوب علمي ترهنه المحددات الآتية:

  • طغيان مواد وكتل لفظية على معجم النص تتصل بتكنولوجيا المعلومات منها: الثورة الإلكترونية، الحواسيب، المعلومة، المعالجة الآلية، الرقمية، التقانة، الرقمنة، البرمجيات، الاستعمالات، وسائط، ثنائيات، تخزين حاسوبي، فك الرموز …، وكلها توحي بانبثاق عهد جديد من المعرفة مختلف تماما عن المعرفة النظرية المجردة، ومرتبط بنمط حضاري جديد في إنتاج المعرفة وإدارة المجتمع على أساسه.
  • وجود وضعية تواصلية خاصة في النص يوجه فيها المرسل المتمظهر في ضمير الجماعة المتكلم [ ونشاهد اليوم دخول… إننا في القرن الميلادي الجديد…] العاري من أي ملامح سوسيو ثقافية تحدد هويته في النص، عدا كونه من مؤيدي العولمة، وعدا معرفتنا بهوية الكاتب استنادا إلى معطيات خارجءنصية، خطابا إلى المرسل إليه، وهو أيضا غير محدد، مما يضفي على النص صبغة توا صلية منفتحة اجتماعيا وثقافيا، غير أن سياق النص الداخلي والخارجي يجعل الخطاب متجها إلى المجتمعات المدعوة إلى رقمنة معرفتها، مما يعطيه بعدا تحسيسيا توعويا مشحونا بأنماط من المحاججة ينضاف إلى بعده الإخباري الواضح.
  • استخدام الكاتب نظام الفقرات القصيرة المربوطة بإحكام بروابط شكلية تعزز الانسجام الدلالي للنص من أدوات توكيد ( ولقد، إن …) وعطف ( ثم، الواو …) وتفسير وتفصيل ( أي، أما …)، وتراكيب استنتاج ( ومن ثم، والمحصلة، والخلاصة…) واستطراد وتتبع ( من جهة ثانية…)، وداخل هذه الفقرات القصيرة تهيمن جمل معترضة طويلة تتقصى الفكرة وتطارد المعنى في بعد تفصيلي وتفسيري بين.
  • حضور الأسلوب الخبري بكثافة في النص، باعتباره يروم بسط حزمة من التصورات بلغة تقريرية حبلى بالمصطلحات العلمية والتكنولوجية، ولا مجال فيها لإثارة الانفعال وتجسيد الأحاسيس، ولهذا يزخرالنص بالكثير من المؤشرات التركيبية الداعمة للطابع الإخباري للنص من جهة، والمكسرة رتابته من جهة ثانية، والمسعفة في تمرير نبرة استدلالية متكئة على منطق استقراء الواقع من جهة ثالثة، مثل المؤشرات التوكيدية والتفسيرية والاستنتاجية المتكررة باستمرار على طول الممتد النصي من تكرار لألفاظ ومصطلحات بعينها أو بمرادفاتها أو مشتقاتها، أو استخدام لأدوات التوكيد والتفسير والاستدراك وصيغ الاستنتاج والتقرير بإيقاعتها الإيقانية المختلفة الموظفة للتأثير على المتلقي وإقناعه بالرسالة الثاوية خلف المحمول الدلالي والمنطقي للنص.

تركيب وتقويم

عرف العالم تغيرات كبرى بسب ثورة المعلوميات غيرت نظرتنا إلى المعرفة وإلى الواقع، حيث وفرت الوسائط المعلوماتية إمكانات هامة للبحث والتواصل أضحى معها العالم قرية إلكترونية صغيرة تنتقل عبرها المعرفة بسلاسة، وتتقلص فيها دوائر التميز والانغلاق، مما يدفع أنصار الخصوصية والهوية ومناهضي العولمة إلى التحذير من مستقبل يؤدي إلى تغتريب الإنسان وسلب إرادته، وتضخيم حضور الأقوياء وتقزيم حظوظ الفقراء.