تعريف التشبيه الضمني

التشبيه الضمني من أقوى أنواع التشبيه، وهذا النوع من التشبيه يستعمله الشاعر كدليل لإثبات شيء، وهو تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة – أي من غير أركان التشبيه – بل يلمحان من السياق والمعنى والتركيب، والقسم هذا من التشبيه يؤتى ليفيد أن الحكم المضاف إلى المشبه ممكن. وينحو الكاتب أو الشاعر منحى هذا النوع من البلاغة يوحى فيه بالتشبيه من غير أن يصرح به في صورة من صوره المعروفة، يفعل ذلك نزوعاً إلى الابتكار؛ وإقامة للدليل على الحكم الذي أسنده إلى المشبه، ورغبة في إخفاء التشبيه ؛ لأن التشبيه كلما دق وخفى كان أبلغ وأفعل في النفس.

بلاغة التشبيه الضمني

  • أنه دعوى مع البيِّنةِ والبرهانِ.
  • أنه إبرازٌ لما يبدو غريباً ومستحيلاً.
  • أنه جمعٌ بين أمرينِ متباعدينِ،وجنسينِ غيرِ متقاربينِ.
  • أنهُ دلالةٌ على التشبيهِ بالإشارةِ، لا بالوضوحِ والصراحةِ.

أمثلة

مثال 1

يقولُ أبو الطيِّب المتنبِّي:

مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ  ۩۩۩  ما لِجُرحٍ بِمَـيِّـتٍ إيلامُ

يعني أنَّ الذي اعتادَ الهوانَ يسهلُ عليه تحمُّلهُ ولا يتأَلمُ لهُ، وليسَ هذَا الادعاءُ باطلاً، لأَنَّ المَيْتَ إذا جُرحَ لا يتأَلمُ، هلْ تجدُ فِي هَذَا البيتِ مِنَ الشِّعرِ تشبِيهَاً؟ إذا وجدتَهُ فَمَا هُوَ؟ وهَلْ يُمكنُكَ أنْ تشيرَ إليهِ بالإصبعِ؟ الجوابُ هو لا، لأنَّه لمْ يوضعْ فِي صُورةٍ مِنْ صورِ التَّشبِيهِ المعروفةِ، ولمْ يأتِ المتنبِّي بتشبيهٍ صريحٍ، فهُوَ لمْ يقلْ: إنَّ الشخصَ الَّذي اعتادَ الهَوَانَ والذُّلَ وصَارَ لَا يَشعُرُ بقسوةِ الإهانةِ، كالمَيْتِ الَّذي لَا يتألمُ حتَّى وإنْ أصابتْهُ الجراحُ، ولكنّنا نَرَى أنَّه يشبِّه ضمناً مَنْ هانَتْ عليهِ نفسُه، فهُوَ لَا يتأثَّرُ، كالمَيْتِ فاقدِ الشعورِ والإحساسِ، وأتَى بجملةٍ ضمَّنَها هَذَا المَعْنَى فِي صورةِ البرهَانِ.

وإلَى المِعْنِى نفسه وبالكيفيّةِ ذاتِها مِنَ التَّشبيهِ يشيرُ المتنبِّي فِي بيتٍ آخَرَ إلَى حالِ الواقِعِ فِي أسرِ الذّلِ مع سعةِ رزقِهِ ويُسرِ حالِهِ وحُسنِ مظهرِهِ، كالميِّتِ لَا يفرحُ بِمَا يُلفُّ به مِنَ الأكفانِ الحِسَانِ:

لا يُعْجِبَنَّ مَضيماً حُسْنُ بِزّتِهِ  ۩۩۩  وهَلْ تَرُوقُ دَفيناً جُودَةُ الكفَنِ

مثال 2

قالَ البُحتريُّ فِي وصفِ أَخلاقِ ممدوحِهِ:

وَقَدْ زَادَهَا إفْرَاطَ حُسْنٍ جِوَارُهَا  ۩۩۩  خَلاَئقَ أصْفَارٍ مِنَ المَجْدِ، خُيَّبِ
وَحُسنُ دَرَارِيِّ الكَوَاكِبِ أنْ تُرَى  ۩۩۩  طَوَالِعَ في دَاجٍ مِنَ اللَّيلِ، غَيهَبِ

شبَّهَ البُحتُريّ أخلاقَ ممدوحِهِ التي تزدادُ حسناً وتألُّقاً لوجودِهَا فِي جوارِ أخلاقٍ وضيعةٍ لأقوامٍ لَا فضلَ فيهِم ولَا مجدَ لهُم، بحالِ الكواكبِ العظامِ تزدادُ تلألؤاً في اللَّيلِ البَهيمِ، وقَد رأيْنَا أنَّه لمْ يصرِّح بالتَّشبيهِ، ولمْ يأتِ بطرفَيهِ عَلَى صورةٍ من صورِهِ المعروفةِ، فَلَا مشبَّهَ ولَا مشَبَّهَ بِهِ ظاهرانِ صريحانِ، وإنَّما لمّحَ إليهما، وضَمّنَهُما فِي الكلامِ، ورأينَا كذلكَ كيف أنَّه ضَمَّنَ التَّشبِيهَ برهاناً عَلَى أنَّ الحكمَ الَّذي أسندهُ إلَى المشبَّهِ ء وهُوَ ظُهُورُ الأخلاقِ الحَسَنَةِ وازديادُ جمالِها لوجودِهَا إلَى جانِبِ قومٍ لَا أخلاقَ فِيهمء ممكن، والدَّليلُ عَلَى ذَلكَ أنَّ الكواكبَ المضيئَةَ يحسن منظرها ويزيدُ اشعاعها وتألقها إذا كانَ الَّليلُ شديدَ الظُّلمةِ.

مثال 3

قال أبو تمام:

لا تنكري عطَل الكريم من الغنى  ۩۩۩  فالسيل حرب للمكان العالي

انظر بيت أبي تمام فإنه يقول لمن يخاطبها: لا تنكري خلو الرجل الكريم من الغنى فإن ذلك ليس عجيباً لأن قمم الجبال وهي أشرف الأماكن وأعلاها لا يستقر فيها ماءُ السيل. ألم تلمح هنا تشبيهاً ؟ ألم تر أنه يشبه ضمناً الرجل الكريم المحروم الغنى بقمة الجبل وقد خلت من ماء السيل؟ ولكنه لم يضع ذلك صريحاً بل أتى بجملة مستقلة وضمنها هذا المعنى في صورة برهان .ففي هذا الكلام تشبيه ضمني ، ولو أتى بصورة معروفة للتشبيه لقال : إن الرجل الكريم المحروم الغنى يشبه قمة الجبل وقد خلت من ماء السيل.

مثال 4

قال أبو فراس:

سَيذْ كُرنى قَوْمى إِذَا جدَّ جِدُّهمْ  ۩۩۩  وفِى اللَّيْلَة الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ الْبَدْر

المشبه: حال الشاعر يذكره قومه إذا اشتدت بهم الخطوب ويطلبونه فلا يجدونه، والمشبه به: حال البدر يطلب عند اشتداد الظلام.

مثال 5

قال ابن الرومي:

قَدْ يَشِيب الْفَتَى وَلَيْسَ عجيباً  ۩۩۩  أَنْ يُرَى النَّورُ فِى الْقَضِيبِ الرَّطيبِ

يقول ابن الرومي إن الشاب قد يشيب ولم تتقدم به السن ، وإن ذلك ليس بعجيب فإن الغصن الغض الرطب قد يظهر فيه الزهر الأبيض. فابن الرومي هنا لم يأْت بتشبيه صريح فإنه لم يقل : إن الفتى وقد وخطه الشيب كالغصن الرطيب حين إزهاره ، ولكنه أتى بذلك ضمناً.

مثال 6

قال أبو العتاهية:

تَرْجو النَّجاةَ ولَمْ تَسلك مسالِكَها  ۩۩۩  إِنَّ الَّسفينَةَ لا تجْرى على اليَبَس

يشبه أبو العتاهية من يرجو النجاة من عذاب الآخرة ولا يسلك مسالكها بسفينة تحاول الجري على اليبس.

استنتاج

بناءً على ما تقدّم نستنتجُ أنّ التشبيهَ الضمنيّ تشبيه يفهم من المشبّه والمشبّه به ضمناً من خلال السياق اللغوي، فهو يُفهم من سياق الكلام، ولا يأتي في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يُلمح من الكلام لمحاً من خلال السياق، ليفيد أنّ الحكم الذي أُسند للمشبّه ممكن.