الشطر الثاني من سورة ق - الآية 16 إلى 37 (في رحاب التربية الإسلامية)

مدخل تمهيدي

يذكرنا الله سبحانه وتعالى بعلمه بحال عباده ومصيرهم بعد البعث والحساب والجزاء، مع بيان مصير كل من الكافر والمؤمن، كما يدعونا الحق سبحانه إلى الاعتبار بمصير الجاحدين من الأمم السابقة.

  • فكيف يكون اللوم والعتاب بين الكافرين يوم القيامة؟
  • وما صور النعيم التي أعدها الله للمؤمنين؟
  • وكيف يعتبر المرء بأحوال الأمم السابقة؟

بين يدي الآيات

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

َلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴿16﴾ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴿17﴾ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴿18﴾ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴿19﴾ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴿20﴾ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴿21﴾ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴿22﴾ وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴿23﴾ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴿24﴾ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ ﴿25﴾ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴿26﴾ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴿27﴾ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ﴿28﴾ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴿29﴾ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴿30﴾ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴿31﴾ هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴿32﴾ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴿33﴾ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴿34﴾ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴿35﴾ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴿36﴾ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴿37﴾

[سورة ق، من الآية: 16 إلى الآية: 37]

دراسة النص القرآني

الرسم المصحفي

تكتب لفظة ﴿قَرِينُهُو﴾ مختومة بواو مد صغيرة، لأن ضمير الغائب إذا كان مسبوقا بضمة أو فتحة، وليس بعده أداة تعريف (ال) أو همزة وصل، بوصل بواو صغيرة تسمى صلة، وترسم على هذا النحو: ﴿قَرِينُهُو﴾.

القاعدة التجويدية: قاعدة تفخيم الراء

الأصل في الراء التفخيم، مثل قوله تعالى: ﴿أَقْرَبُ﴾، وقوله تعالى: ﴿رَقِيبٌ﴾، ولا ترقق إلا للأسباب التالية:

في حالة الوصل

ترقق الراء في حالة الوصل في موضعين، هما:

  • إذا كانت مكسورة مطلقاً سواء في الاسم أو الفعل وفي أول الكلمة أو وسطها أو آخرها، نحو: ﴿العارِفين﴾، ﴿رِزقاً﴾، ﴿رِجَالٌ﴾، ﴿الْفَجْر﴾، ﴿عَشْرٍ﴾ٍ، ﴿وَمَن يُرِدْ﴾ ….
  • إذا كانت ساكنة بعد كسر أصلي متّصل بها في كلمة واحدة ولم يقع بعدها حرف استعلاء متّصل، نحو: ﴿شِرْعَةً﴾، ﴿الْفِرْدَوْسِ﴾، ﴿أَنذَرَهُم﴾، ﴿ِمِرْيَةٍ﴾، ﴿فِرْعَوْنَ﴾ …
في حالة الوقف

ترقق الراء في حالة الوقف في ثلاثة مواضع، هي:

  • إذا وقعت بعد ياء ساكنة، نحو: ﴿خَبِيرٌ﴾، ﴿قَدِيرٌ﴾، ﴿خَيْرٌ﴾ …
  • إذا وقعت بعد كسر، نحو: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾.
  • إذا وقعت بعد ساكن ولم يكن حرف استعلاء وقبله كسر، نحو: ﴿السِّحْرَ﴾، ﴿الذِّكْر﴾، ﴿الشِّعْر﴾ …

نشاط الفهم وشرح المفردات

شرح المفردات والعبارات

  • توسوس به: تحدثه به.
  • حبل الوريد: عرق يحمل الدم إلى القلب ويكون في العنق.
  • يتلقا المتلقيان: يحفظ ويكتب الملكان.
  • قعيد: ملك قاعد.
  • رقيب عتيد: ملك حافظ يسجل كل أقواله وأفعاله.
  • تحيد: تميل وتفر وتهرب.
  • غطاءك: حجاب غفلتك.
  • بصرك اليوم حديد: قوي نافذ لا تكاد رموشه تتحرك.
  • عتيد: معد حاضر.
  • مريب: شاك في دينه وربه.
  • ما أطغيته: ما أجبرته على الطغيان.
  • أزلفت الجنة: أعدت وقربت.
  • أواب حفيظ: راجع إلى الله حافظ لحدوده.
  • بطشا: قوة وبأسا.
  • محيص: مهرب ومفر.

المعنى الإجمالي للشطر القرآني

تبيانه تعالى أنه رقيب خبير بعباده وبأعمالهم يحصيها لهم لينالوا عليها الجزاء يوم القيامة، وتصويره سبحانه للحظات يوم البعث بدءا بخروج روح الإنسان، وتذكيره بخصام الكافرين ولوم بعضهم البعض، وبحال المؤمنين المطمئنين من فزع هذا اليوم العصيب، ودعوته سبحانه إلى أخد العبرة من مصير الجاحدين من الأمم السابقة.

المعاني الجزئية للآيات

  • الآيات 16 – 18: تبيان الآيات الكريمة قدرة الله وعلمه بأحوال خلقه، وبأعمالهم وأقوالهم سرها وجهرها.
  • الآيات 19 – 22: تبيان الآيات الكريمة المشهد الختامي لحياة الإنسان في هذه الدنيا، وصورا من مشاهد يوم القيامة حاضرة ماثلة كأنها واقع حي لمن ينكر الحساب والمآل، وبعض مراحل العرض والحساب.
  • الآيات 23 – 30: تبيان الآيات الكريمة مشهد الحسرة والندامة وخصام الكافرين وعتابهم ولومهم لبعضهم البعض على إنكارهم وجحودهم وجزاءهم المخزي الأليم، والصفات التي استحقوا بها العذاب.
  • الآيات 31 – 35: تبيان الآيات الكريمة صورة ومشهد الفرحة والغبطة للمؤمنين وجزاءهم بالفوز بالخلود في جنات النعيم.
  • الآيات 36 – 37: تبيان الآيتين الكريمتين الغاية والهدف من ذكر قصص الأمم السابقين المكذبين، وذكر صور ومشاهد من تاريخهم وجزائهم، وهي الاعتبار والاتعاظ وإحياء القلب من الغفلة والضياع.

الدروس واالعبر المستفادة من الآيات

  • وجوب الإيمان بالبعث والجزاء، وأنه حقيقة لا شك فيها.
  • الإيمان باليوم الآخر يورث في القلب الخشية، ويمنعه من الغفلة والخسارة.
  • الإيمان بالبعث والجزاء يجعل المؤمن يقظا حذرا من ظلم نفسه والناس حتى لا يندم يوم الحساب على ما ارتكبه من آثام.
  • أكثر من يستفيد من القرآن ومواعظه، ويحيى بقصصه وفوائده، صاحب القلب الحي والمتعظ.
  • من أطاع الله سعد في الدنيا وفاز في الآخرة، ومن شاق الله تعس في الدنيا وخسر يوم القيامة.