العفو والتسامح - الدرس
الوضعية المشكلة
كثيرا ما نجد المنابر الإعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي تتحدث عن تفشي ظاهرة العنف والكراهية والانتقام في بعض الأوساط الدينية والاجتماعية والسياسية (المدارس، بين الأزواج، والأقارب، والعائلات …)، ما يدل على غيابٍ شبه تام لثقافة العفو والتسامح؛ لكون هذه الأخيرة لا تنم – حسب زعمهم – إلا عن إهانة وضعف، معتقدين أن العفو والتسامح يعنيان التنازلَ عن الحقوق والمبادئ والمعتقدات، وترك الفرصةِ سانحة أمام الآخرين للنيل منهم، ولا يعتبرون العفو عفوا والتسامح تسامحا إلا إذا كان المتصف بهما في موقف قوة، والطرف الآخر في موقف ضعف مع الاعتراف بالخطأ، وما سوى ذلك فضعف وإهانة، وإيماننا بالله تعالى يرفض ذلك.
- فما حدود العفو والتسامح؟
- ومتى يكون ذلك دليلا على الإيمان وحسن الخلق؟
النصوص المؤطرة للدرس
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾. [سورة يوسف، الآية: 92] قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾. [سورة آل عمران، الآيتان: 133 – 134] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ». [أخرجه الإمام مسلم في صحيحة، كتاب: البر والصلة والآداب] |
نشاط الفهم وشرح المفردات
شرح المفردات والعبارات
- لا تثريب عليكم: لا تأنيب ولا لوم عليك.
- السرّاء والضرّاء: اليسر والعسر.
- الكاظمين الغيظ: الكاتمين غيظهم في قلوبهم.
- عزا: جاها ورفعة.
مضامين النصوص الأساسية
- مقابلة سيدنا يوسف عليه السلام إساءة إخوته بالعفو والتسامح.
- الإنفاق في سبيل الله وكظم الغيظ والعفو عن الناس من صفات المتقين.
- العفو والتواضع يزيدان في عزة العبد ورفعته عند الله تعالى.
مفهوم العفو والتسامح والعلاقة بينهما
مفهوم العفو
العفو: لغة: المحو والطمس، واصطلاحا: هو التجاوز وإسقاط العقوبة عن المذنب المستحق للعقوبة، مع وجود القدرة على إنزالها به مع التوبيخ واللوم.
حقيقة العفو
العفو صفة من صفاته تعالى، واسم من أسماء الله الحسنى، الدال على سعة صفحه عن ذنوب عباده مهما كان شأنها إذا ثابوا وأنابوا، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾، كما يعتبر خلق من أخلاق الأنبياء والمرسلين والصالحين.
مفهوم التسامح
التسامح: لغة: هو اللين والتساهل، واصطلاحا: هو خلق مبني على التساهل واليسر في المعاملات المالية والاجتماعية، يهدف إلى زرع المحبة والتعاون في نفوس الأفراد والجماعات، ما لم يكن ذلك على حساب المعتقدات والمقدسات الدينية.
العلاقة بين العفو والتسامح
العفو والتسامح خلق رفيع، ينبني على تنسيان ما تقدم ومضى، والتنازل عما للنفس من حق عند الآخرين، لا عن ضعف أو هوان أو خوف، بل رغبة خالصة فيما عند الله، وإيثارا للآخرة الدائمة على الدنيا الزائلة.
أثار العفو والتسامح على الفرد والمجتمع
أثار العفو والتسامح على الفرد
- العزة والشرف: العفو والتسامح لا يدل على ضعف أو عجز، بل هو عزة وانتصار على النفس والشيطان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا».
- الصحة النفسية: العفو والتسامح يعملان على تحرير الفرد من المشاعر السلبية كالحقد والغضب، وتحل محلها المشاعر الايجابية التي تحقق الراحة النفسية والطمأنينة.
- محبة الله ومغفرته: قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
- محبة الناس: النفس الإنسانية مجبولة على حب من سامحها وعفا عنها.
- القضاء على العداوة وتحقيق الصلح: قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾.
- اليسر واللين في المعاملة: البيع والشراء بسماحة ولطف وبدون خصام ولا جدال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى».
أثار العفو والتسامح على المجتمع
- الأمن والاستقرار والتعايش: فالعفو والتسامح يقللان من ارتكاب مختلف الجرائم.
- دفع الفساد والشر عن الأمة: بالعفو والتسامح يساعدان على طهارة المجتمع من الأمراض كالغل والحقد والحسد لأنها سبب للانهيار الحضاري.
- تالف القلوب وتماسك الصفوف وتحقيق التواصل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».