الرسول صلى الله عليه وسلم مفاوضا ومستشيرا - الدرس
الوضعية المشكلة
لو كان لأحد أن يستغني عن التشاور والأخذ بالرأي السديد، لاستغنى النبي ﷺ بالوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عنه، إلا أن الرسول ﷺ كان يستشير أصحابه، ويعرض الرأي على الرأي حتى يقف على عين الصواب، وكان المسلمون يبدون آراءهم بكل حرية، وأحيانا يخالفونه، وسار خلفاء النبي ﷺ على سيرته في التشاور، وعلى الرغم من الفاصل الزمني الذي يفصلنا عنه، لأشبه ما يكون بهذه الجلسات البرلمانية التي تعرض فيها الحكومات على ممثلي الأمة قضية من القضايا.
- فكيف كانت مفاوضات النبي ﷺ ومشاوراته؟
- وما المجالات التي فاوض واستشار فيها؟
النصوص المؤطرة للدرس
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ﴾. [سورة يوسف، الآيات: 58 – 61] قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾. [سورة آل عمران ، الآية: 159] قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾. [سورة الشورى، الآيات: 36 – 40] |
توثيق النصوص والتعريف بها
التعريف بسـورة آل عمران
سـورة آل عمران: مدنية، وعدد آياتها 200 آية، وهي السورة الثالثة من حيث الترتيب في المصحف الشريف، نزلت بعد “سورة الأنفال”، سميت بهذا الاسم لورود ذكر قصة أسرة “آل عمران” والد مريم أم عيسى عليهما السلام فيها، وما تجلى فيها من مظاهر القدرة الإلهية بولادة مريم لعيسى عليهما السلام، وقد اشتملت هذه السورة الكريمة على ركنين هامين من أركان الدين، هما: ركن العقيدة وإقامة الأدلة والبراهين على وحدانية الله جل وعلا، وركن التشريع وبخاصة فيما يتعلق بالمغازي والجهاد في سبيل الله.
التعريف بسورة الشورى
سورة الشورى: مكية، ماعدا الآيات 23، 24، 25، 27 فمدنية، عدد آياتها 53 آية، ترتيبها 42 في المصحف الشريف، نزلت بعد “سورة فصلت”، سميت بهذا الاسم تنويها بمكانة الشورى في الإسلام، وهي تعالج أمور العقيدة، والمحور الذي تدور عليه السورة هو الوحي والرسالة.
نشاط الفهم وشرح المفردات
شرح المفردات والعبارات
- جهزهم بجهازهم: قضى لهم حاجتهم ووفاهم كيلهم.
- خير المنزلين: خير المضيفين وكان قد أحسن ضيافتهم.
- سنراود عنه أبانا: سنجتهد في طلبه منه.
- لنت لهم: كنت رفيقا بهم، تعاملهم بالرفق واللطف
- فظا غليظ القلب: خشنا في معاملتك، قاسي القلب.
- لانفضوا من حولك: لتفرقوا وذهبوا تاركينك وشأنك.
- وشاورهم في الأمر: اُطْلُبْ مشورتهم في الأمر ذي الأهمية.
- فإذا عزمت فتوكل على الله: إذا بدا لك رأي راجح المصلحة فاعزم على تنفيذه متوكلا على ربك
- وأَمرهم شورى بينهم: يتشاورون في الأمور ولا يعجلون.
مضامين النصوص الأساسية
- مفاوضة يوسف عليه السلام إخوته وإقناعهم ليأتوه بأخيهم من أبيهم حينما يعودون للكيل.
- مدح الله نبيه ﷺ بحسن الخلق والبعد عن الفظاظة، وأمره بالعفو عن المؤمنين والاستغفار لهم ومشاورتهم في الأمور ذات الأهمية.
- من صفات المؤمنين الشورى فيما بينهم.
مفهوم التفاوض وعناصره ومميزات أسلوبه عند الرسول صلى الله عليه وسلم
مفهوم التفاوض
التفاوض: لغة: مبادلة الرأي في الأمر بغية الوصول إلى تسوية واتفاق، واصطلاحا: أسلوب من أساليب حل النزاعات وتسوية الصراعات بين طرفين مختلفين حول قضايا معقدة تتداخل فيها المصالح المادية بالسيادة والنفوذ مع قضايا الهوية والكرامة والعقيدة والقناعات.
عناصر التفاوض
- الموقف التفاوضي: التفاوض موقف مرن يتطلب قدرات هائلة للتكيف مع متغيرات العملية التفاوضية، ومثاله: تنازل الرسول ﷺ عن جزئية كتابة “محمد رسول الله”.
- أطراف التفاوض: يتم بين طرفي التفاوض سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
- القضية التفاوضية: سبب الخلاف والموضوع الذي يدور حوله التفاوض، ومثاله: الدخول إلى مكة للعمرة.
مميزات أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في التفاوض
تميز أسلوب تفاوضه ﷺ بمميزات، منها:
- تقوية موقف الرسول ﷺ مفاوضا: وذلك ببيعة الرضوان التي بايع المسلمون فيها رسول الله ﷺ على التبات.
- إرباك الخصوم: باستمالة بعض سادة قريش لصفه، كسيد الأحابيش (حِلس بن عَلقمة) لما رأي هديه ﷺ، فتأكد أنه قدم للعبادة، فرجع وهدد قريشا إن منعت عبادة الرسول ﷺ.
- فرض الاحترام لقواعد التفاوض: وذلك باشتراط إطلاق عثمان رضي الله عنه، مبعوث الرسول ﷺ لقريش ثمنا للسلم.
- كفاءة الانسحاب التفاوضي: بقبوله جزئية عدم كتابة “التسمية” وشرط محو صفة “رسول الله”، حفاظا لماء وجه قريش.
مفهوم الشورى وأهميتها في الإسلام
مفهوم الشورى وشروط المستشار
مفهوم الشورى
التشاور: لغة: مصدر فعل شاور، بمعنى طلب منه المشورة، واصطلاحا: استنباط المرء الرأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور التي يتردد بين فعلها وتركها.
شروط المستشار
- أن يكون ذا عقل راجح مع تجربة سالفة.
- أن يكون ذا دين وتقوى.
- أن يكون ناصحا ودودا.
- أن لا يكون له في الأمر المستشار فيه غرض شخصي أو مصلحة لنفسه.
أهمية الشورى في الإسلام
للشورى مكانة عظيمة في الإسلام يمكن اختزالها في ما يلي:
- أن الله أمر بها نبيه صل الله عليه وسلم.
- أن الله تعالى استشار الملائكة حول استخلاف آدم في الأرض.
- ممارسة النبي ﷺ لها في كثير من مواقفه، سواء تعلق الأمر بشؤون التدبير السياسي والحربي أو غيرها.
نماذج من مفاوضات واستشارات الرسول صلى الله عليه وسلم وفوائدها
نماذج مفاوضات الرسول صلى الله عليه وسلم
نماذج مفاوضات ذات طابع جماعي:
- مفاوضة الرسول ﷺ المشركين في صلح الحديبية.
- مفاوضته ﷺ يهود بني النضير في شأن خيبر.
نماذج مفاوضات ذات طابع فردي:
- مفاوضة الرسول ﷺ وعتبة بن ربيعة أحد أسياد قريش، حيث عرض عليه هذا الأخير أمورا، منها: أن يكون أغناهم مالا، مقابل ترك دينه، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بآيات فيها وَعِيد، فرجع إلى قومه مذعورا.
نماذج من استشارات الرسول صلى الله عليه وسلم
من أهم مشاوراته ﷺ:
- مشاورته ﷺ أصحابه في خطة الدفاع لخوض غزوة أحد.
- استشارته ﷺ أم سلمة في شأن قضية امتناع الصحابة رضوان الله عليهم من التحلل.
من فوائد الشورى والتفاوض في الإسلام
من فوائد الشورى:
- إصابة الحق في الغالب.
- تلاقح الأفكار وتكامل الثقة وتبادل الخبرات والإطلاع على ما عند الآخر.
- استشعار المشاركين بالمسؤولية.
- توليد الثقة بين الراعي والرعية
- تجنب الاستبداد وتزويد المجتمع بالكفاءات والقدرات المتميزة.
من فوائد التفاوض:
- تقوية الصف الداخلي.
- تسوية النزاعات بطرق سلمية وحضارية.
- تدبير الاختلاف بطريقة حضارية.
- تحقيق مصالح الطرفين المتفاوضين.
- التخلص من روح التصلب والتعصب والالتزام بالرأي السديد.