الشطر الرابع من سورة يوسف - من الآية 58 إلى الآية 76
الوضعية المشكلة
تطرقنا في الجزء الثالث إلى تفسير الرؤيا التي استعصت على حاشية الملك، مما جعل الساقي يستأذن للذهاب ليوسف في السجن ليلتمس منه تأويل الرؤيا، والتي كانت اختبارا عما سيصيب مصر من القحط، الأمر الذي استدعى العفو عن يوسف مع إثبات براءته، وتنصيبه على الخزائن لإنقاذ الناس من المجاعة.
- فما هي القوانين التي وضعها يوسف عليه السلام لتجاوز هذه المحنة؟
- وهل تجاوز الجفاف أرض مصر؟
- وما السبل التي اعتمدها يوسف عليه السلام لاقناع إخوته بمبتغاه؟
- وما الميثاق الذي عقده إخوة يوسف على عاتقهم مع أبيهم؟
- وما المكيدة التي دبرها يوسف لإبقاء أخيه بجانبه؟
- وأي شريعة طبقها سيدنا يوسف على السارق؟
بين يدي الآيات
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ثُمَّ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ قَالُواْ تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ قَالُواْ فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ قَالُواْ جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾. [سورة يوسف، من الآية: 58 إلى الآية: 76] |
نشاط الفهم وشرح المفردات
شرح المفردات والعبارات
- جهزهم بجهازهم: زودهم بما يحتاجونه في سفرهم.
- أُوفي الكيل: أزيد في الميزان ولا أنقص.
- نرواد: نطلب بإلحاح.
- بضاعتهم: دراهمهم التي اشتروا بها الطعام.
- رحالهم: أوعيتهم التي يضعون فيها الطعام.
- نمير أهلنا: نجلب لأهلنا الطعام.
- موثقا: عهدا مؤكدا.
- يحاط بكم: تهلكوا جميعا.
- لا تبتئس: لا تحزن.
- السِّقاية: إناء من ذهب يسقى به ويكال.
- أذن مؤذن: نادى مناد.
- العير: القافلة.
- صواع الملك: مكيال الملك.
- دين الملك: قانون الملك وشريعته.
- كدنا ليوسف: علمناه الإحتيال في أخذ أخيه.
المعنى الإجمالي الشطر القرآني
يستخلص من هذا الجزء المنحة الإلهية لنبيه، بتمكينه في الأرض جزاء على إحسانه، ليبدأ طور جديد في الكدح لانقاد مصر والشعوب المجاورة من المجاعة، فداع صيته لعدالته وأمانته وحسن تسييره وتدبيره المحكم في التنظيم وتوزيع المؤن، مما جعل إخوته يلجؤون إليه لطلب المعونة وهم له منكرون، الأمر الذي دفعه إلى إغرائهم، والتفاوض معهم من أجل إحضار أخيه من أمه، وبالتالي إذعان سيدنا يعقوب لرغبة بنيه لحكمة مما علمه الله لا لغرته، وحثه لهم بالتوكل على الله.
المعاني الجزئية للشطر القرآني
المقطع الأول: الآيات 58 – 63
قدوم إخوة يوسف لمصر طلبا للطعام، واشتراط يوسف إحضار أخيهم الأصغر إن أرادوا الطعام مرة أخرى..
المقطع الثاني: من الآيات 64 – 68
إلحاح الإخوة على أبيهم اصطحاب أخيهم الأصغر إلى مصر، واشتراط يعقوب عليه إعطاءه عهدا موثقا بحفظه، ليوصيهم بألا يدخلوا مصر من باب واحد خوفا عليهم من الحسد لما كانوا عليه من جمال وهيبة.
المقطع الثالث: الآيات 69 – 76
حرص يوسف عليه السلام على إبقاء أخيه الأصغر بتدبيره لحيلة بوحي من الله تعالى.
الدروس والعبر المستفادة من الآيات:
- وجوب العفو عند المقدرة.
- إكرام نزل الضيف.
- قضاء حاجة المحتاج ولو أساء إليك.
- جواز استعمال الحيلة للوصول إلى المطلوب إذا كان مشروعا.
- حرص الآباء على الأبناء، وحسن رعايتهم، وتقديم النصح لهم.
- يرفع الله من يشاء من عباده درجات في العلم.
- وجوب الاحتراز توقيا من العين، دون الإيمان بأنه سيغني عن قدر الخالق.
- التفويض لأمر الخالق ومراعاة الأخذ بالأسباب المعتبرة في هذا العالم.
- الحذر لا ينجي من القدر.
- التصديق بمنحة المنن بعد المحن والعزة بعد الذل والغنى بعد الفقر.