الشطر الثاني من سورة يوسف - من الآية 22 إلى الآية 42
وضعية الانطلاق
يذكر القرآن الكريم قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته، ومع إمرأة العزيز، ودخوله السجن، ثم جعله على خزائن الأرض، وتحقق رؤيته التي بسببها وقع له ما وقع من محت شديدة: إلقاؤه في الجب، واسترقاقه، ومراودته عن نفسه، وسجنه، مر علي السلام بهذه المحن متحليا بالتقوى والصبر، فكان عليه السلام خير نموذج للصبر والعفة والأمانة والمسؤولية والكفاءة.
- فماذا تعرفون عما تعرض له سيدنا يوسف في محنته مع إمرأة العزيز التي راوده عن نفسه؟
بين يدي الآيات
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ إ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾. [سورة يوسف، من الآية: 22 إلى الآية: 42] |
نشاط الفهم وشرح المفردات
شرح المفردات والعبارات
- وراودته التي هو في بيتها: طلبت منه الوقاع ودعته إلى نفسها.
- هيت لك: أي هلُمَّ وأقبل إلي.
- معاذ الله: أعوذ بالله من ذلك.
- أحسن مثواي: مقامي فلا أخونه في أهله.
- السوء والفحشاء: الخيانة والزنا.
- وقدت قميصه: وشقت قميصه.
- وألفيا: وجدا.
- تراود فتاها: تغري عبدها يوسف.
- أكبرنه: أعْظَمْنَه وأجْلَلْنَه.
- استعصم: امتنع امتناعا شديدا.
- الصاغرين: الذليلين.
- أصْبُ إليهن: أَمِلْ إلى إجابتهن بمقتضى البشرية.
- تستفتيان: تسألان عن تعبيره وتفسيره.
المعاني الجزئية للشطر القرآني
المقطع الأول: الآيات 22 – 23
محنة تعرض يوسف عليه السلام للفتنة والإغراء والمراودة من قبل امرأة العزيز، وامتناعه عن تلبية طلبها.
المقطع الثاني: الآية 24
انتقال امرأة العزيز من مراودة يوسف إلى إكراهه على الفاحشة بعد امتناعه عن تلبية طلبها لولا عناية الله به، ولجوؤه إلى الفرار.
المقطع الثالث: الآية 25
امرأة العزيز لما وجدت زوجها عند الباب حاولت بمكرها وكيدها التنصل من جرمها وإلصاق التهمة بيوسف.
المقطع الرابع: الآيات 26 – 27
دفاع يوسف عن نفسه وإخباره بأنها هي التي راودته عن نفسه، ثم بيان براءته بفضل شهادة شاهد من أهلها.
المقطع الخامس: الآيات 28 – 29
لما تبين لزوجها براءة يوسف طلب منها الاستغفار والتوبة وطلب من يوسف كتمان الأمر.
المقطع السادس: الآية 30
شيوع الأمر في مدينة مصر وتداول الحديث بين النساء في ذلك.
المقطع السابع: الآيات 31 – 32
امرأة العزيز تستدعي النساء لبيتها لتحاول تبرير مراودتها يوسف عن نفسه، لتنتقل إلى تهديده أمامهن بالسجن إن لم يستجب لطلبها.
المقطع الثامن: الآيات 33 – 34
لجوء يوسف إلى ربه وإيثاره السجن على فعل الفاحشة، واستجابة الله له.
المقطع التاسع: الآية 35
رغم تبين براءة يوسف بدا لهم أن يسجنوه.
المقطع العاشر: الآيات 36 – 41
فتيان في السجن مع يوسف طلبا منه تعبير رأياهما ليستغل يوسف الفرصة فيدعوهما إلى الله قبل أن يفسر لهما ما رأيا.
المقطع الحادي عشر: الآية 42
طلب يوسف من الفتى الذي رآه ناج من القتل ذكر شأنه للملك، لكن الشيطان أنساه ذلك ليمكث يوسف سنوات في السجن.
قضايا تناولتها الآيات
طرحت الآيات قضايا كثيرة، منها:
- خدم البيوت وأخلاقهم.
- أمانة الخدم ووفاؤهم بحقوق مشغليهم.
- مشروعية الدفاع عن النفس.
- إكرام الله تعالى لأوليائه.
- دخول السجن ليس دليلا على الإجرام والانحراف.
- الدعوة إلى الله تعالى لا تتقيد بزمان ولا مكان.
- الشاب إذا نشأ في طاعة الله فإن الله يؤتيه علما وحكمة.
- خطورة الخلوة بالمرأة الأجنبية، وما تؤدي إليه من مصائب.
- الله تعالى يعِين أولياءه في اللحظات العصيبة بأمور تثبتهم، قال تعالى: ﴿لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾.
- شهادة القريب على قريبه أقوى من شهادة البعيد على القريب، قال تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾.
- المسلم إذا خير بين المعصية وبين الصبر على الشدة يصبر على الشدة، ويُؤْثِر أن يطيـع الله ولو رَمَوْهُ بسوء، قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾.
- استجابة الله لأوليائه والدعاة المخلصين، قال تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ﴾.
القيم الواردة في الآيات
تضمنت الآيات الكريمة قيما عديدة، منها:
- العفة
- الوفاء
- الأمانة
- الإخلاص
- الحياء
- الصبر على المحن والابتلاءات
- ذكر الله واللجوء إليه عند الشدائد