كوريا الجنوبية - نموذج لبلد حديث النمو الإقتصادي

تمهيد و إشكال

إذا كانت كوريا الجنوبية قبل النصف الثاني من القرن العشرين تصنف ضمن البلدان الفقيرة على الصعيد العالمي،فإنها أصبحت اليوم تحتل المرتبة 11 عالميا في تصنيف القوى الإقتصادية على الصعيد العالمي، وأصحبت تشكل بذلك نموذجا وتجربة حديثة للبدان الحديثة النمو على المستوى الإقتصادي.

  • ماهي مظاهر النمو الإقتصادي لكوريا الجنوبية؟
  • ماهي العوامل المفسرة لهذا النمو؟
  • وماهي أهم المشاكل والتحديات التي تواجه الإقتصاد الكوري الجنوبي؟

يحتل الإنتاج الصناعي مكانة متميزة ضمن الإقتصاد الكوري الجنوبي.

تلعب الطاقة دورا حيويا في الإقتصاد الكوري

يرتفع إنتاج كوريا الجنوبية من الطاقة خاصة الطاقة الكهربائية بمختلف أنواعها الكهرمائية والنووية...، والملاحظ هو أن استهلاك كوريا الجنوبية من الطاقة عرف ارتفاعا ملحوظا في السنين الأخيرة، حيث أصبحت تعتمد على الغاز الطبيعي أكثر من اعتمادها على البترول وهذا ما يفسر تراجع وارداتها من البترول في السنين الأخيرة. إن ارتفاع استهلاك الطاقة بكوريا الجنوبية يشير إلى أن النمو الإقتصادي لهذا البلد يعرف ارتفاعا مهما.

مكانة القطاع الصناعي ضمن الأنشطة الإقتصادية بكوريا الجنوبية

يمكن التمييز في تنظيم المجال الكوري الجنوبي بين:

  • الأقطاب الدينامية: تتركز أهمها بالشمال الغربي (سيول) ثم بالجنوب الشرقي، حيث تتركز بهذه المناطق أهم المدن و المناطق الصناعية الكبرى.
  • الأقطاب التكنولوجية: تنتشر بالنصف الجنوبي لكوريا الجنوبية خاصة بالجهة الغربية.
  • المجالات الهامشية: ويمكننا التمييز فيها بين المجالات الفلاحية التي هي عبارة عن مرزات بالنصف الجنوبي للبلاد، ثم المجال الشمالي الشرقي حيث تنتشر سلاسل جبلية تفسر عزلة المنطقة وخلوها من السكان.

تتوفر كوريا الجنوبية على شبكة مهمة من المواصلات (طرق سيارة، شبكات القطار السريع، مطارات...)، أما امتداد مجالها الساحلي فيؤهلها لتكون منفتحة على باقي القوى الإقتصادية الأخرى (اليابان،الصين.).

تكمن أهمية القطاع الصناعي الكوري الجنوبي في ارتفاع مساهمته في الإنتاج الداخلي الخام بنسبة %40.81، الخذمات %55.49 والفلاحة %3.7.

تتوفر كوريا الجنوبية على شركات عملاقة (سامسونغ، هيانداي، كيا) إذ تتكثل هذه الشركات على المستوى المالي مشكلة ما يسمى ب "شيبول".

يمكن تفسير قوة الصناعة بكوريا الجنوبية بعدة عوامل:

  • عوامل تاريخية: استفادتها من مرحلة الإستعمار الياباني والأمريكي،استفادتها من الإستثمارات والمساعدات المقدمة إليها في إطار مشروع مارشال).
  • عوامل بشرية: توفرها على يد عاملة مؤهلة. هذا بالإضافة إلى دور الدولة عن طريق سن مجموعة من المخططات، ودور المقاولات حيث أن الإقتصاد الكوري يتركز في يد مجموعة من المقاولات التي تحتكر عدة أنشطة.

مظاهر القوة التجارية في كوريا الجنوبية

خصائص المبادلات التجارية لكوريا الجنوبية

تتكون البنية التجارية الخارجية لكوريا الجنوبية على مستوى الواردات من المواد الطاقية والمعدنية والمواد الفلاحية والآلات وأدوات التجهيز، أما أغلب الصادرات فتتكون من التجهيزات الكهربائية والميكانيكية (السيارات ولوازمها) ثم منتجات الملاحة البحرية والنهرية والخدمات.

من أهم مظاهر قوة التجارة الكورية الجنوبية: ارتفاع قيمة صادراتها وهو مايجعلها تحقق فائضا في ميزانها التجاري.

تعتبر كل من الصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية أهم الشركاء التجاريين لكوريا الجنوبية،بالإضافة إلى شركاء آخرين.

عرفت الإستثمارات الخارجية المباشرة بكوريا الجنوبية ارتفاعا ملحوظا

عرفت الإستثمارات الخارجية المباشرة بكوريا الجنوبية ارتفاعا كبيرا ما بين 2002 و2005 حيث انتقلت من 205 إلى  4.5 مليار دولار أمريكي.مما انعكس بشكل إيجابي على الإقتصاد الكوري الجنوبي.

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا من أهم الدول المستثمرة بكوريا الجنوبية إضافة إلى سنغفورة وماليزيا.

يمكن تفسير تدفق الإستثمارات على كوريا الجنوبية بالجهود التي قامت بها الدولة المتمثلة في إزالة الحواجز الجمركية منذ 1990، حيث اعتبرت الحكومة الكورية الجنوبية العولمة خيارها الوطني منذ 1993، وقد تحولت بذلك سلطة القرار من وزارة المالية إلى وزارة التجارة والصناعة والطاقة منذ 1999.

العوامل المفسرة لنجاح التنمية الإقتصادية في كوريا الجنوبية

دور المقومات البشرية في التنمية الإقتصادية بكوريا الجنوبية

عرفت ساكنة كوريا الجنوبية ارتفاعا كبيرا في السنين الأخيرة، إذ انتقلت من 30 مليون نسمة سنة  1966 إلى 48.8 مليون نسمة سنة 2000 موزعة على مجال جغرافي يقدر ب 99260 كلم مربع، بكثافة سكانية تصل إلى 487 نسمة في الكلم المربع وبأمد حياة مرتفع يقارب  77 سنة، ونسبة تمدين تفوق %80.

وقد لعب اهتمام الدولة بالتعليم (مجانية التعليم)، وارتفاع الإعتمادات المخصصة للتربية، التي تشكل أزيد من %4.2 من الناتج الداخلي الخام، وكذا توفرها على عدة جامعات ومعاهد ومراكز للبحث التي تلعب دورا كبيرا في الرقي بالبلاد، حيث أن الأمية لا تتجاوز %2، هذا وقد كان لارتباط كوريا الجنوبية بالثقافة والإرث الكونفوشيوسي دور مهم في النهوض بالتعليم وترسيخ مبادئه.

دور العوامل السياسية والتنظيمية في النهضة بالإقتصاد الكوري الجنوبي

  • طبيعة النظام السياسي الديمقراطي لكوريا الجنوبية والذي يتميز بمحدودية سلطات الرئيس وفصل السلط...
  • الإرتباط الوثيق بين الحكومة ورجال الأعمال وتعاونهما من أجل تخفيض الواردات مقابل تشجيع الصادرات عن طريق تمويلها وتوفير اليد العاملة.
  • استفادتها من الإستعمار الياباني (1910–1945) والإستعمار الأمريكي (1949–1950) ومن المساعدات المقدمة إليها في إطار مشروع مارشال وغيره، خاصة وأن كوريا الجنوبية تعتبر من الدول المعادية للنظام الشيوعي، لذلك فهي تتلقى الدعم من الدول الرأسمالية خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية.
  • تتوفر كوريا الجنوبية على عدة تجمعات حضرية ضخمة أهمها سيول بالشمال الغربي و بوسان بالجنوب الشرقي.

مرت التنمية الإقتصادية لكوريا الجنوبية عبر مجموعة من المراحل:

  • مرحلة الإستعاضة عن الواردات (1951–1961)
  • مرحلة تقوية الصادرات (1962–1973)
  • بناء الصناعة التقليدية (1973–1980)

تعترض كوريا الجنوبية عدة مشاكل وتحديات

مظاهر المشاكل الإجتماعية والإقتصادية

  • الخسائر المادية الناتجة عن إضرابات العمال، كما أن ارتفاع أجور العمال في السنوات الأخيرة أدى إلى ضعف القدرة التنافسية لبعض الصناعات الموجهة نحو الخارج (ارتفاع تكاليف الإنتاج).
  • تعرض بعض الشركات للإفلاس خاصة شركات دايو التي كانت سنة 2000 أهم منتج للسيارات بكوريا الجنوبية، حيث اشترت و.م.أ %76 من أسهمها، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على الإقتصاد الكوري الجنوبي.

المشاكل والتحديات البيئية

تتمثل في اعتماد كوريا الجنوبية على الطاقة النووية والفحم الحجري والغازالطبيعي بشكل كبير، وهي من أهم أنواع الطاقة الأكثر تلويثا للبيئة. مقابل ضعف اهتمام كوريا الجنوبية بمصادر الطاقة المتجددة.

خاتمة واستنتاج

على الرغم من المشاكل البيئية والإجتماعية والإقتصادية التي تعترض كوريا الجنوبية كبلد نامي ،فإن هذه الأخيرة تبقى نموذجا لتجربة ناجحة في مجال التنمية الإقتصادية حيث استطاعت أن تحقق نموا اقتصاديا مهما بفعل تظافر عدة عوامل بشرية، تنظيمية، طبيعية وسياسية.