السعادة
الطرح الإشكالي
إن السعادة هي شعور الفرد بإحساس الفرح، والارتياح، واللذة …، وهذا ما يجعلها غاية للإنسان يسعى إليها سواء على المستوى الحسي – الغريزي، أو على مستوى الفكر النظري، أو على مستوى السلوك الأخلاقي، وهكذا فللسعادة قيمة حسية، وقيمة فلسفية تأملية، وقيمة أخلاقية تثير عدة قضايا فلسفية متمثلة في تعدد التمثلات التي تنسج حولها، وتنوع الموضوعات التي تحققها، إضافة إلى تعدد الدوافع التي تدفعنا إلى السعي ورائها، وأخيرا ارتباطها بالواجب الذي يحقق السعادة عندما يكون اتجاه الذات واتجاه الغير كذلك، إنها قضايا يمكن صياغتها من خلال هذه الأسئلة:
- ما هي التمثلات التي تم بناؤها حول السعادة؟
- لماذا نسعى نحو السعادة؟
- ما علاقة السعادة بالواجب؟
المحور الأول: تمثلات السعادة
السعادة إشباع للفكر
إذا كان الغالب عند الناس أن هو أقوى اللذّات وأكمل السعادات لذّة المطعم والشهوة وسائر اللذّات البدنية، فإن هذا القول يزول عند فخر الدين الرازي، ويدل على ذلك عدة وجوه وهي:
- كل شيء يكون سببا لحصول السعادة والكمال يكون الإنسان أكثر إقبالا عليه، ونحن نعلم أن الانشغال بقضاء الشهوة يعد من الدناءة والنهم.
- كل شيء يكون في نفسه كمالا وسعادة، وجب لا أن يستحيى منه، أن بل يتبجح لإظهاره، ونحن نعلم أن لا أحد من العقلاء يفتخر بكثرة الأكل والشرب.
- لو كانت السعادة متعلقة بقضاء الشهوة لكان الحيوان الذي هو أقوى في هذا الباب، أكثر سعادة وكمالا من الإنسان.
- إن سعادة الإنسان – حسب الرازي – وكماله وفضيلته لا تظهر إلا بالعلوم والمعارف والأخلاق الفاضلة، لا بالأكل والشرب.
السعادة غاية في ذاتها
إن الأفعال صنفان فعل يطلب لذاته، وفعل يطلب لغيره، والسعادة ليست ملكة – في نظر أرسطو – وإنما هي فعل يطلب لذاته، هناك بعض أصناف اللهو تطلب لذاتها، لكن ينجم عنها ضرر لا منفعة لما قد يؤدي من التهاون بأمر الجسد أو الثروة، وهي مع ذلك مما يتهافت عليه الكثير من الناس ممن يندرجون في عداد السعداء. والحق أنه من الجهل أن يقال إن اللهو هو غاية الحياة، وأننا نكد طوال العمر لكي يتاح لنا اللهو، إن قولا مثل هذا قول صبياني، إن كل ما يمكن تصوره يطلب من أجل ما عداه، إلا السعادة إذ هي غاية بحد ذاتها – حسب أرسطو –، والحياة السعيدة هي التي يحياها المرء وفق الفضيلة، وهي حياة جد واجتهاد، لا حياة لهو.
المحور الثاني: السعي وراء السعادة
السعي وراء السعادة شقاء
السعادةقي إطار بناء أطروحته حول سعي الإنسان وراء تحقيق السعادة، وجدوى هذا السعي، أكد جون جاك روسو، أن على الإنسان ليبلغ غايته أن يحقق معادلة متكافئة بين رغباته وقدراته، إلا أنها معادلة لم تكن ممكنة في إلا حالة الطبيعة، حيث كانت الرغبات بسيطة، ومقدور عليها، أما حالة التمدن، فإن الرغبات تطورت وتجاوزت قدراته، وعليه فإن السعي وراء السعادة إنما هو في الحقيقة سعي وراء الشقاء، وهكذا فإن انتقال الإنسان من حالة الطبيعة البسيطة في حاجاتها، إلى حياة الجماعة وما صاحب ذلك من ظهور كمالات متعددة ولا متناهية أدى – في نظر روسو – إلى فقدانه لسعادته، وتحول البحث عنها إلى شقاء مستمر.
الجمال يحقق السعادة
إن الإنسان لم يبدع فقط أسباب الشقاء – في نظر ديفيد هيوم – وإنما أبدع أيضا إمكانات الاقتراب من تحقيق سعادته، بإمكانه أن يحقق ذلك اعتمادا على إبداعاته الفنية (الموسيقى، الرسم، الشعر…)، فإذا كان يملك ذوقا رهيفا، وعمل على تهذيب هذا الذوق والسمو به انطلاقا مما تقدمه الأعمال الفنية من جمال ورقة، أمكنه التخفيف من التوتر والألم والاقتراب من السعادة.
المحور الثالث: السعادة والواجب
السعادة واجب اتجاه الغير
ليس من الصعب تحقيق سعادة الآخرين في نظر برترند راسل، إذ يكفي محاولة التقرب منهم بمودة تلقائية للتعرف على الغير، وفهم تفرده وخصوصيته، وهذا ما يشكل مصدر إسعاد الغير، وبالتالي تحقيق سعادة الذات، وهكذا ننتقل مع راسل من تصورات تشرط السعادة بتحقيق الرغبات أو إقصائها، إلى تصور يربطها بالممارسة والفعل.
السعادة واجب اتجاه الذات
تكون السعادة ممكنة – في نظر ألان – عندما تتوفر لدى الإنسان إرادة طلبها، وتصبح واجبا تجاه الذات والآخر ولا يكون باستطاعته إسعاد غيره، إلا إذا منح السعادة لذاته فمن السهل على المرء أن يكون مستاء، كما من السهل عليه أن يرفض ما تقدمه الحياة من عطايا، وبالمقابل من السهل على الإنسان أن يصنع من أشياء قليلة وبسيطة، مظاهر السعادة التي يتلمسها في علاقته بالآخرين، إن رفض السعادة حسب ألان هو السبب الأكبر فيما تعرفه الإنسانية من مآس وحروب، وهكذا تصبح السعادة قيمة أخلاقية توجه تصرفات الإنسان في علاقته بذاته وبالآخر.
استنتاجات عامة
إن السعادة شعور داخلي بالسرور والرضا على النفس …، إلا أن مصادر هذا الشعور تتحدد وتتنوع حسب الأفراد والجماعات، فهناك من يحقق السعادة من خلال جمع الأموال وإشباع الغرائز، وهناك من يحققها بإشباع العقل بواسطة العلم وتحصيل المعارف، كما نرى من يجد سعادته في إشباع الجوانب الروحية على مستوى المشاعر والأحاسيس الباطنية.
إن للسعادة مظهرين، مظهر نظري تأملي، وآخر عملي أخلاقي، يتمثل المظهر الأول في تحقيق الرغبات، وإشباع المشاعر والأحاسيس، أما المظهر الثاني فيرتبط بالممارسة والفعل. التي تتحدد بعلاقة الذات سواء بذاتها أو بالآخر أو علاقة الآخر بالذات.