الخطاب الصحفي - تحليل نص 'مجتمع مدني مغربي فعال' لعبد الكريم غلاب
ملاحظة النص
ينتمي النص إلى الخطاب الصحفي المكتوب في مجلة يعالج موضوعا يتداخل فيه السياسي والاجتماعي، حيث يعرض لمفهوم ما للمجتمع المدني المغربي المتشكل منذ بداية الاستقلال حتى تاريخ نشر هذا المقال في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وبالنظر إلى دلالة العنوان والملفوظ الأول والأخير في النص يتضح أن تصور غلاب للمجتمع المدني المغربي الفعال يختلف عن التصور العلمي الدقيق الذي يعني تلك التنظيمات المستقلة التطوعية تملأ المجال العام بين المجتمع والدولة لتحقيق مصالح الفئات التي تمثلها في إطار احترام معايير القانون وقيم التراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والخلاف والتزام الحوار الهادئ البناء والمرونة والشفافية والواقعية لضمان فاعليتها، ويتسع ليشمل كل الحساسيات السياسية والتيارات الفكرية والتنوع اللغوي والتفتح المحافظ على الهوية المغربية في ظل انتقال ديموقراطي يبني دولة القانون والمؤسسات بناء متدرجا منذ أجيال شعاره التغيير السلمي ودربه الحرية والنضال.
فهم النص
يتألف المحمول المنطقي للنص من مجموعة من الوحدات الفكرية الكبرى نبرزها كالآتي:
- مقاربة مفهوم المجتمع المدني من زاوية التطور الذي يشهده المغرب وغيره من دول العالم الثالث، بما يعنيه هذا المفهوم من حراك متواصل تشترك فيه الدولة والشعب نحو تأصيل قيم الديموقراطية وسيادة القانون واحترام مواثيق حقوق الإنسان واهتمام بالتمنية البشرية.
- عرض جملة الرهانات التي كسبها المغرب لتكوين مجتمع مدني فعال ، ويتصدرها تفتح المغرب بحكم موقعه على شعوب متقدمة ، وإدراكه لمسؤولية هذا التفتح من خلال دحر الأمية والعصبية والعجز الفكري والثقافة الخرافية والاستلاب الحضاري والتطرف الإيديولوجي.
- إبراز مظاهر تفتح المجتمع المغربي المتمثلة في انتشار حرية الفكر ومبدأ التسامح وخط الاعتدال ، والاعتداد بالديموقراطية والنضال من أجل دولة القانون والعدالة الاجتماعية.
- تقرير كون فعالية المجتمع المدني تحتاج إلى الكثير من الوحي والحرية ونضال أجيال متلاحقة لتجذير السلوك المدني في المجتمع من أجل مستقبل متقدم في مغرب حقق الكثير من المكاسب على مستوى الوعي الديموقراطي، ويحتاج إلى الكثير على مستوى تنزيل هذا الوعي.
تحليل النص
يتألف معجم النص من حقلين دلاليين أحدهما اجتماعي والآخر فكري، وتمثلهما في النص كتلتان لفظيتان متساويتان نسبيا للإحالة على تداخل الاجتماعي والفكري بكل تشعباتهما الجغرافية والتاريخية والسياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية الثابتة والمتغيرة في صناعة تصور الكاتب للمجتمع المدني الفعال في المغرب كما تبلورمنذ أربعين ولا زال آخذا في التشكل معلنا عن الانسجام والتوافق بين المفكرين والفاعلين الاجتماعيين وصناع القرار، ويمكن بيان حجم هاتين الكتلتين المعجميتين وانتشارهما في النص من خلال الجدول الآتي:
حقل الفكر |
حقل المجتمع |
المصطلحات، أبعاد، مفهوم، القيم الإنسانية، مواثيق حقوق الإنسان ، الفكر ، المنطلقات، متفتح، إدراك المسؤولية، عوائق التفتح، الأمية الفكرية ، العجز الفكري، الخرافات والأسطورة، العقلية المهيمنة، التخلف الفكري ، الاستلاب الفكري، الإديولوجية، الصراعات الفكرية والعقدية المتطرفة، الآراء، النظريات، الاتجاهات الفكرية، تعايش الأفكار المعتدلة والمتطرفة، اليمين واليسار، حرية الفكر، حكم ديموقراطي، الوعي، النضال…. | المجتمع، المدني، غربي ، العالم الثالث، تطور ، العالم الأول، قيم القانون، قبلي، عرقي ، طائفي، عسكري، الميز ، البيض الملونين، العمال ، أرباب العمل، مالكي الأرض ، العبيد، العلاقات بين أطراف المجتمع، السلطة ، الشعب، الشرائح الاجتماعية، المغرب، العصر الحديث، عهد الحماية، النعرة القبلية والعرقية والجهوية والمدينية، البلدان العربية والإفريقية، دولة القانون ، سلطة المؤسسات، …. |
حاول الكاتب في النص إبراز دور الشباب كقورة فاعلة في صناعة التغيير ، وتأمين التطور السليم للمجتمع ، من خلال التعايش الإيجابي مع مختلف الاتجاهات والأفكار والنظريات قبولا ونقدا وتمحيصا وحوار هادئا واختلافا تحترم فيه حرية الفكر وقبول الآخر وتدافع الأجيال بما يصنع المغرب المتنوع ، ومجتمعه المدني الفعال المحتكم إلى مقتضيات دستور يبدو ديموقراطيا ، ومؤسسات تصرح بتطبيق القانون، ووعي عريض بضرورة الحرية والنضال.
يقوم المحمول المنطقي في النص على بناء استدلالي متماسك متنوع المرجعيات والأدوات، يستمد قوته الإقناعية من التاريخ والواقع وصرامة المنطق في استقراء الوقائع وعرض المفهومات وتفسير الظواهر المتشكلة في الواقع الاجتماعي والفكري بكل تمظهراته مما يجعله خطابا موضوعيا معقولا ومقبولا، كل ذلك للوصول إلى وجهة نظر الكاتب بخصوص فاعلية المجتمع المدني المغربي التي يرى بموجبها أن المغرب ليس البلد الذي تتصارع فيه الكتل والتيارات الفكرية والسياسية بوجه عنيف يهدد استقرار المجتمع وتطوره السلمي الطبيعي، مما يشكل استثناء في المنطقة العربية والإفريقية حسب عبد الكريم غلاب
يتسم المقال بتصميم منهجي محكم من خلال قصر حجمه ووحدة موضوعه وتسلسل أفكاره، يبدو ذلك واضحا من خلال التركيز على تصور غلاب لمفهوم المجتمع المدني المرتكز التنظيم القانوني للعلاقات بين أطراف المجتمع، والتعايش السلمي بين أنماط السلوك الفكري والسياسي ، والتفتح الذكي والاعتدال والوعي بالحاجة إلى الحرية والنضال في صناعة الغد، كما يبدو جليا من خلال الطابع التقريري التفسيري واللغة الصحفية المرسلة إلى متلق عريض بما يستلزمه سياق الإرسال من وضوح ودقة في العرض وموضوعية في التحليل، واهتمام خاص بالجملة الخبرية ودلالتها المباشرة، وتنويع بين أساليب السرد والوصف وأنواع المحاججة، وتوظيف للأحوال والنعوت والإضافة بما لها من قدرة على توسيم الواقع وتحديد أبعاده ومختلف المتدخلين في تشكيل ملامحه الماضية والحاضرة، لخلق دينامية تأثيرية للنص تتجاوز به جفاف المعروض المنطقي الصرف، وتستثير المتلقي وتستميله وتدعوه إلى استقبال إيجابي للرسالة التي يبثها النص بخصوص نوع المجتمع المدني الأكثر فاعلية في المغرب.
تركيب وتقويم
يطرح النص باعتباره مقالا صحفيا يفترض أنه واسع الانتشار، قضية جوهرية تتأسس عليها مفاهيم الدولة والسلطة والثروة والفكر والمجتمع، وهي قضية المجتمع المدني ودوره في صناعة أنساق التعايش مع الثوابت والمتغيرات في عالم تكثر الصراعات العنيفة وأشكال التطرف المقيتة، وأنواع التخلف المرهونة بالاستبداد والاسئثار بالسلطة والثروة، هذه القضية التي تجلت في المغرب في أصناف من السلوك المعتدل والتصرف الفكري الحر والملتزم والحراك الاجتماعي والسياسي المؤسس على النضال السلمي المستمر، مما أبدع خصوصية مغربية تدفع بالمجتمع المدني نحو التطور والديموقراطية بثبات وهدوء.
وقد عرض النص هذا التصور بأسلوب سهل سلس ومواد معجمية دقيقة الدلالة على المعنى المراد ، ويصب جلها في حقل الفكر والمجتمع، ويتشكل من بعضها جهاز اصطلاحي متداول في السياسة والفكر والاقتصاد، وباستدلالات بسيطة يفهمها الجميع، قائمة على استقراء الواقع ، وعلى ربط المقدمات بالنتائج عبر تحليل منطقي رصين وبناء منهجي محكم ومتدرج، وتنويع أسلوبي يستثمر المقامات النفسية والتداولية للمتلقي ويدفعه إلى التسليم بجدية الرسالة الموجهة إليه.