تحليل نص جون لوك : الهوية والشعور

  1. مجزوءة الوضع البشري
  2. المحور الأول: الشخص والهوية
  3. تحليل نص جون لوك: الهوية والشعور

الهوية والشعور

«لكي نهتدي إلى ما يكوّن الهوية الشخصية لابد لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من معنى، فالشخص فيما أعتقد، كائن مفكر عاقل قادر على التعقل والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة، ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة، وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر، بل هو فيما يبدو لي، ضروري وأساسي تماما بالنسبة للفكر، مادام لا يمكن لأي كائن [بشري]، كيفما كان أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه يدرك إدراكا فكريا.
عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو نريده، فإنما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا، إن هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، وبها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته، وفي هذه الحالة لا نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في الجوهر نفسه أو في جواهر متنوعة، إذ لما كان الشعور يقترن بالفكر على نحو دائم، وكان هذا هو ما يجعل كل واحد هو نفسه، ويتميز به من ثم عن كل كائن مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو، وبقدر ما يمتد ذلك الشعور بعيدا ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية، بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص وتتسع، فالذات الحالية هي نفس الذات التي كانت حينئذ، وذلك الفعل الماضي إنما صدر عن الذات نفسها التي تدركه في الحاضر».

(جون لوك، مقالة في الفهم البشري، الكتاب II فصل 27، فقرة 9 ترجمه إلى الفرنسية كوسط، ونشره إميليان نايرت، فران، 1994 ص : 264-265)

تأطير النص

النص مقتطف من كتاب لوك "مقالة في الفهم البشري"، ويشكل هذا الكتاب مساهمة أساسية في الجواب عن سؤال الفلسفة خلال القرنين 17 و18م، وهو: كيف يدرك الإنسان ذاته والعالم؟ كيف يبني معرفته؟ وكيف يحافظ على وحدة الذات وبقائها في الزمن؟ ولحل هذه المشاكل يعتمد لوك مفهوم الهوية الشخصية انطلاقا من الشعور بوصفه قدرة تأملية.

صاحب النص

جون لوك هو فيلسوف تجريبي ومفكر سياسي إنجليزي، ولد في عام 1632في إقليم سوميرسيت، تعلم في مدرسة وستمنسر، في ثم جامعة أوكسفورد، ولقد لعب دورا كبير في الأحداث السياسية التي عرفتها إنجلترا ما بين سنة 1660 و1680م، كما  أن علاقة لوك باللورد آشلي لعبت دورا كبيرا في نظرياته السياسية الليبيرالية، ولقد كان اللورد آشلي يتمتع بنفوذ كبير في إنجلترا إذ كان يمثل المعالم السياسية لرؤوس الأموال التجارية في لندن، وتحت تأثير اللورد آشلي كتب لوك في عام 1667 مقالا خاصا بالتسامح راجع فيه أفكاره القديمة الخاصة بإمكانية تنظيم الدولة لكل شؤون الكنيسة.

الإشكـال

كيف يجعل الشعور الشخص ذلك الكائن المفكر القادر على التعقل والتأمل حيث ما وجد في أي زمان ومكان؟

المفاهيم

  • الهـوية: مفهوم فلسفي يدل على هوية الشيء أو الشخص، أي ما يتعلق بماهيته وطبيعته أي جوهره، ولكل شخص هويته قد تتحدد في عقله وفكره أو ثقافته (اللغة، الدين ...).
  • الـذات: مصطلح فلسفي يرتبط بالأنا الواعي والمفكر، ويدل على الشخص أو الوعي بالذات.
  • الجوهر: جوهر الشيء يعني هو ما ثابت فيه، هو وما ثابت لا يتغير في الكائن.

الأطروحة

إن الشخص حسب جون لوك هو ذلك الكائن المفكر والعاقل القادر على التعقل والتأمل، وذلك عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمر دون حدوث أي تغير في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هوهو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكر أفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر.

الأفكار الأساسية

  • الشخص كائن مفكر قادر على التعقل والتأمل.
  • إن ذات الشخص مطابقة لنفسها وهي نفس الشيء الذي يفكر في أزمته وأمكنة مختلفة.
  • الشعور هو ماهية الشخص، وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر.
  • إن الذات المفكرة تدرك الأفعال التي صدرت عنها في الماضي والحاضر.

الحجاج

  • التفسير: عندما نعرف ... فإننا نعرف ...
  • النفـي: هذا الشعور لا يقبل الانفصال...
  • التعريف: الشخص هو كائن مفكر وعاقل...
  • اعتماد بنية مفاهيمية قوية: الشعور، الجوهر، الذات ...

الاستنتاج

الشخص كائن مفكر يعقل ذاته وأفعاله مهما تغيرت الظروف وتوالت الأزمان، وعن طريق الوعي يكون مسؤولا مسؤولية قانونية عن كل ما يصدر عنه من أفعال. من هنا فأساس هوية الشخص حسب لوك هو الشعور الذي يجعل الإنسان يحرك ذاته ويبني معرفته بذاته على نحو دائم فيصبح الشخص إثرها هوهو رغم ما يلحقه من تغير.

قيمة النص وراهنيته

تكمن قيمة النص في جعل قيمة الشخص لا تخرج عن كونه كائنا عاقلا ومفكرا، فالإنسان في كل زمان ومكان قادر على تعقل العالم وتأمل مجتمعه، هكذا فإنسان العصر الراهن لازم عليه أن يتعقل وجوده أكثر وأن يتعقل ما يصدر عنه من سلوكات وأفعال قد تكون أنفع للإنسانية جمعاء وقد تكون عكس ذلك أفعال مدمرة للوجود الإنساني كأفعال العنف والإرهاب والحروب والتلوث ...

استغلال معطيات النص للإجابة على الإشكال المطروح

هوية الشخص تكمن في كونه ذاتا عاقلة ومفكرة وشاعرة (بمعنى الشعور).