انطلاقة الثورة الصناعية: التطور التقني والإنعكاسات على البنية الإجتماعية

تقديم إشكالي

شهدت إنجلترا خلال الثلث الأخير من القرن 18م ثورة صناعية كانت عبارة عن تطورات علمية وتقنية بدأت بوادرها منذ القرن 16م في أوربا، وتوضحت معالمها خلال نهاية القرن 18م.

  • فما عوامل انطلاق هذه الثورة؟
  • وما مظاهرها وانعكاساتها على المجتمع الأوربي؟

عوامل الثورة الصناعية في إنجلترا في نهاية القرن 18م

ساهم العامل السياسي في انطلاق الثورة الصناعية

عرفت إنجلترا سنة 1688م اندلاع ما عرِف بالثورة الجليلة التي ساهمت بشكل في كبير عودة الاستقرار السياسي للبلاد، وأبعدت بريطانيا عن التقلبات السياسية التي عرفتها الدول المجاورة، وفتحت المجال أمام الطبقة البرجوازية للقيام بعدة إصلاحات خاصة بعد توحيد الجزر البريطانية الذي يعد توحيدا للسوق الاقتصادية البريطانية.

ساهم العامل الاقتصادي في انطلاق الثورة الصناعية

  • في الميدان الفلاحي: شهد القطاع الفلاحي بإنجلترا تحولا كبيرا في أساليب الإنتاج، وذلك بفضل الابتكارات الجديدة، والتخلي عن نظام إراحة الأرض، الشيء الذي ساهم في ارتفاع المردود، وأدى إلى تجميع الملكيات وتركزها يد في كبار الملاكين.
  • في الميدان الديمغرافي: عرفت إنجلترا نتيجة تحسن التغذية وتقدم أساليب الوقاية والعلاج نموا ديمغرافيا هاما، إذ ارتفع عدد السكان من 7،4 مليون نسمة سنة 1750 إلى 15 مليون نسمة سنة 1800م، كما ارتفعت ساكنة المدن وتجاوزت بمانشستر 100000 نسمة سنة 1800م، فهيأ هذا النمو الديمغرافي يد عاملة للصناعة من جهة، وسوقا استهلاكية من جهة أخرى.
  • في الميدان الصناعي: شهدت الصناعة بدورها تحولات كبيرة، وذلك بفضل تراكم الأموال، وتوسع السوق الداخلي، ووفرة اليد العاملة، إضافة إلى تنظيم العمل الصناعي بفضل خلق ما عرِف بالمانيفاكتورة: وهي مجرد تجمع تجاري لمعامل عائلية متنقلة، ناهيك عن إدخال التقنيات والآلات الجديدة وتقوية شبكة المواصلات.

شكلت كل تلك التطورات الظروف الملائمة لقيام الثورة الصناعية منذ منتصف القرن 18م انطلاقا من إنجلترا.

ساهم تشجيع الاختراعات في انطلاق الثورة الصناعية

تعد الاختراعات التقنية الرافد الأساسي للثورة الصناعية، فهي ابتكار مجموعة من الآلات ووسائل الإنتاج لكي تحل محل الأدوات والوسائل القديمة، وكانت بريطانيا أول الدول التي عرفت هذه الظاهرة، حيث أصدرت قانون البراءة الذي يحفظ للمخترع حق استعمال اختراعه واشتغاله لوحده، والاستفادة منه شخصيا لمدة 14 عاما، ولقد كان من نتائج هذا التشجيع تطور عدد براأت الاختراع في إنجلترا، خاصة في الثلث الأخير من القرن 18م.

مظاهر انطلاق الثورة الصناعية في نهاية القرن 18م

أهم الاختراعات في ميدان النسيج

كانت عمليات صناعة القطن تعالج كمادة أولوية، ثم إلى إنتاج الأثواب، إلا أن مع تطور التقنيات أصبح العمل يقضي بغزل المادة في المعمل ونسجها في المنزل، وفي منتصف القرن 18م وصلت هذه الصناعة مرحلة النضج، حيث أصبحت العمليات الصناعية تقوم في محل واحد، وأصبح الناسج يكون معملا مصغرا للنسيج، وقد تجلت مظاهر الثورة الصناعية في ميدان النسيج في الاختراعات التقنية التي عرفها هذا المجال، ومنها توصل جون كاي منذ سنة 1733 إلى صنع المكوك الطائر الذي ساعد على مضاعفة الإنتاج، وجيمس هاركرايفر الذي تمكن سنة 1765م من صنع جهاز ”آلة الغزل جيني“ الذي مكن من إنتاج  120 مرة ما كان ينتج من قبل في نفس الوقت، ثم توالت الاختراعات بعد ذلك بتوصل كارثرايت إلى صنع المنساج الآلي الذي ساهم في التخفيف من كلفة اليد العاملة، وتوصل سنودغراس إلى صنع آلة لتنظيف القطن وغيرها من الاختراعات.

أهم الاختراعات في مجال التعدين والنقل والطاقة

  • ميدان التعدين: ساهمت الاختراعات التقنية في هذا المجال في تطوير الصناعة التعدينية والتخفيف من تكاليف الإنتاج، ففي سنة 1709م توصل أبراهام داربي إلى صهر الحديد بفحم الكوك، مما جعله قليل الصلابة الأمر الذي إلى دفع تطوير هذا القطاع، حيث تمكن هونتمان سنة 1750م من إنتاج صلب نقي من الشوائب، وفي سنة 1784م استطاع هنري كورت أن يفصل بين الحديد والفحم أثناء عملية الصهر، كما تمكن من صنع قضبان حديدية أكثر صلابة.
  • ميدان النقل: ساهم تطور صناعة التعدين والنسيج، وكذا تزايد الحاجة إلى البحث عن أسواق جديدة لتصريف المنتجات المصنعة وجلب المواد الأولية أثر كبير على تطور وسائل النقل والمواصلات، حيث تم التوصل لصنع الآلة البخارية.
  • ميدان الطاقة: حدثت ثورة حقيقية في ميدان الطاقة مع بداية القرن 18م بتوصل طوماس نيوكمن من وضع مضخة تشتغل بواسطة البخار سميت بـ "الآلة النارية" وذلك سنة 1712م، وابتداء من سنة 1763م أخذ جيمس واط في تطوير تلك الآلة فتوصل سنة 1784م إلى تحويل الحركة الخطية إلى حركة دائرية وبذلك تمكن من اختراع الآلة البخارية التي وفرت للإنسان طاقة هائلة وأحدثت تحولات عميقة في مختلف القطاعات.

انعكست انطلاقة الثورة الصناعية على بنية المجتمع في نهاية القرن 18م

وضعية الطبقة المستفيدة من انطلاقة الثورة الصناعية

أسهمت الثورة الصناعية في نشأة مجتمع رأسمالي صناعي برزت فيه طبقة غنية من رجال الرأسمال الصناعيين الذين استفادوا من ارتفاع مستوى المعيشة ووفرة الإنتاج، ليوجهوا اهتمامهم نحو الصناعة والنشاط البنكي، كما ساهمت الثورة الصناعية في تزايد عدد المهاجرين نحو المراكز الصناعية وتوسع المدن، بالإضافة إلى تراجع دور المنافكتورات لصالح المعامل الكبرى.

وضعية الفئات المتضررة من انطلاق الثورة الصناعية

ساهمت الثورة الصناعية في ميلاد الطبقة العاملة التي تعرضت لاستغلال البرجوازية في ظروف مهنية ومعيشية سيئة، كاستخدامهم يوميا لساعات طويلة وشاقة مقابل أجور هزيلة، وسوء التغذية والسكن وتفشي الأمراض، وقد دفع هذا الوضع بالعمال إلى القيام بمظاهرات ابتداء من سنة 1779م وتطور الأمر إلى الإضراب وتحطيم الآلات للمطالبة بتحسين أوضاعهم.

خاتمة

عرفت إنجلترا في نهاية القرن 18م انطلاقة صناعية سميت بالثورة الصناعية الأولى، وذلك سيساعد على ظهور قوة صناعية ثانية في القرن 19م.