ملف العولمة والتحديات الراهنة
تمهيد إشكالي
يرتبط مفهوم العولمة بالتحولات الاقتصادية والسياسية التي يشهدها العالم بعد انهيار نظام القطبية الثنائية والحرب الباردة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وقد تكرس هذا المفهوم خلال الألفية الثالثة بعد انخراط معظم دول العالم في سيرورة العولمة.
- فما هو مفهوم العولمة؟
- وما هي جذورها التاريخية؟
- وما هي ظروف انتشارها؟
- ما هي التحديات الراهنة للعولمة، وأساليب مواجهتها؟
العولمة: مفهومها، جذورها التاريخية وظروف انتشارها
تعريف العولمة وأشكالها
يصعب تحديد مفهوم العولمة نظرا لاختلاف الإيديولوجيات والديانات والنظم الاقتصادية والسياسية غبر العالم’ لكن يمكن تحديد مفهوم للعولمة كالتالي: العولمة هي ترابط العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بين مختلف دول العالم، و بالتالي سهولة حركة الأفراد والبضائع ورؤوس الأموال والخدمات والمعلومات.
وتتخذ العولمة المظاهر الآتية:
- العولمة الاقتصادية: القائمة على نظام رأسمالي مبني على اقتصاد السوق، والمنافسة، وهيمنة التكتلات الاقتصادية الكبرى، مثل: الاتحاد الأوربي، والشركات المتعددة الجنسية، والمؤسسات الاقتصادية الدولية، مثل: منظمة التجارة العالمية.
- العولمة السياسية: وهي ترتبط بمحاولات واشنطن فرض نموذجها الديمقراطي عالميا في ظل القطبية الأحادية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ونهج الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان.
- العولمة الاجتماعية والثقافية: والتي تتمثل في انتشار العادات والثقافة الغربية على نطاق العالم.
- العولمة المعلوماتية: والتي تتجلى في بروز ظاهرة الانترنيت ودوره في تقليص المسافات وتخطي الحدود الجغرافية بين شعوب العالم.
عوامل انتشار ظاهرة العولمة
- انهيار المعسكر الاشتراكي بأوربا الشرقية، وتفكك الإتحاد السوفياتي، وبالتالي نهاية نظام القطبية الثنائية (الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي)، وظهور النظام العالمي الجديد القائم على القطب الواحد (الولايات المتحدة الأمريكية).
- تزايد نفوذ الشركات المتعددة الجنسية وعلى رأسها الشركات الأمريكية.
- إنشاء منظمة التجارة العالمية (عوضت اتفاقية الكات) التي تهدف إلى تحرير المبادلات عبر أرجاء العالم.
- الثورة المعلوماتية، وتطور وسائل الاتصال (الهاتف، والانترنيت)، والإعلام والمواصلات.
التحديات المطروحة أمام تطبيق العولمة وأساليب مواجهتها
انخراط دول العالم النامي (دول الجنوب) في العولمة أصبح يطرح مجموعة من التحديات
- في المجال الاقتصادي: ضعف الرأسمال الوطني (موارد الدولة)، وعدم قدرته على بناء البنى التحتية اللازمة لجلب الاستثمارات، وحدة المنافسة الأجنبية، والتبعية الاقتصادية.
- في المجال الاجتماعي: الفقر، البطالة، الأمية، الفوارق الطبقية الكبيرة، الهجرة القروية، الهجرة السرية …
- في المجال الثقافي والحضاري: أفرزت العولمة نتائج اجتماعية خطيرة أبرزها فقدان الهوية الوطنية وغزو النماذج الغربية لشعوب العالم النامي.
- في المجال السياسي: استمرار الممارسات المخالفة للديمقراطية وحقوق الإنسان.
- في المجال البيئي: استنزاف الموارد الطبيعية، التقلبات المناخية، التلوث، الانحباس الحراري …
الإجراءات الممكنة لتجاوز تحديات العولمة
- تعزيز التعاون جنوب – جنوب (أي بين الدول النامية): وذلك بخلق تكتلات اقتصادية كبرى في العالم الثالث (تفعيل اتحاد المغرب العربي مثلا).
- إقامة شراكة اقتصادية مع تكتلات العالم المتقدم مثل الإتحاد الأوربي ومجموعة أمريكا الشمالية للتبادل الحر.
- توفير الظروف الملائمة للاستثمار (البنيات التحتية، تبسيط المساطر القانونية).
- إعادة هيكلة الاقتصاد النامي لمواكبة متطلبات السوق الدولية.
- تحسين المستوى الاجتماعي للمواطنين، وتقليص الفوارق الطبقية.
- رد الاعتبار للثقافة والحضارة المحليتين.
- ترشيد استغلال الموارد الطبيعية، والمحافظة على التوازن البيئي في إطار التنمية المستدامة.
خاتمة
عززت العولمة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين دول الشمال ودول الجنوب، ولذلك أصبح من اللازم تكثيف التعاون لتجاوز الاختلالات والاكراهات التي باتت تطرحها العولمة بالنسبة لدول الجنوب.