نظام الحماية بالمغرب والاستغلال الاستعماري

تمهيد إشكالي

فرضت الحماية الفرنسية والاسبانية على المغرب سنة 1912م، والتي تعهدت خلالها الدول الاستعمارية بحمايته والحفاظ على استقلاله تحت سيادة السلطان، غير أن واقع التدخل في المغرب والاستغلال الذي تعرض له يعاكس ما جاء به ليوطي في هذا الصدد، وواجه المغرب الاستعمار عسكريا وسياسيا.

  • فما هي الظروف التي أدت إلى فرض الحماية على المغرب؟
  • وما هي مراحل احتلال البلاد، والمقاومة التي واجهته؟
  • وما انعكاسات الاستغلال الاستعماري على المغرب؟

ظروف فرض الحماية الأجنبية على المغرب وأسسها

أهم مظاهر التدخل الأجنبي في المغرب قبل سنة 1912م

تنافست عدة دول حول المغرب، وخاصة منها: فرنسا، اسبانيا، إنجلترا وألمانيا، ترتب عنه عقد عدة اتفاقيات وتسويات ومؤتمرات لإنهاء الخلاف قبل 1912 منها:

  • الاتفاق الفرنسي الايطالي حول المغرب وليبيا سنة 1902م.
  • الاتفاق الفرنسي الانجليزي حول المغرب ومصر سنة 1904م.
  • مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906م حققت فيه فرنسا واسبانيا مكاسب سياسية واقتصادية.
  • الاتفاق الفرنسي الألماني سنة 1911م حول المغرب وجزء من الكونغو اعترفت فيه ألمانيا بحق إدخال إصلاحات بالمغرب.

وخلال هذه الفترة احتلت عدة مناطق من المغرب، منها:

  • احتلت فرنسا الدار البيضاء ووجدة سنة 1907م، والرباط سنة 1911م.
  • تدخلت اسبانيا في شمال المغرب منذ سنة 1909م.

مضمون معاهدة الحماية الفرنسية المغربية في 30 مارس 1912م

في الوقت الذي كان فيه المغرب يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية (الديون الخارجية، ارتفاع الأسعار، توالي سنوات الجفاف، ثورات القبائل ...)، تجددت الاضطرابات وحاصر الثوار السلطان المولى عبد الحفيظ بفاس، فاستغلت فرنسا عزلته وأرغمته على توقيع معاهدة الحماية يوم 30 مارس 1912م، وقد نص عقد المعاهدة المفروضة على المغرب على:

  • إدخال فرنسا إصلاحات إدارية، عدلية، عسكرية، تعليمية، اقتصادية ومالية في المغرب.
  • احترام السلطان وحصر مهامه في الشؤون الدينية والأحباس.
  • إنشاء وتنظيم مخزن شريف مغربي.
  • تفاوض فرنسا وإسبانيا على المناطق الشمالية.
  • احتلال المغرب عسكريا لضمان الأمن في البلاد.
  • فرض قبول السلطان إصدار جميع القوانين والقرارات التي تخدم الاستعمار عامة والفرنسيين خاصة.

من هنا نستنتج أن نظام الحماية حسب ما جاء في المعاهدة وعلى عكس تعريف ليوطي هي: نظام تحتفظ فيه الدولة بإدارتها المحلية وعلى رأسها السلطان مع إقامة إدارة استعمارية تفرض عليه توجهاتها وتراقبه (السلطة الحقيقية لمؤسسة الإقامة العامة).

مراحل الاحتلال العسكري للمغرب والمقاومة التي واجهته

الاحتلال العسكري

تطلب احتلال فرنسا واسبانيا للمغرب 27 سنة، وذلك ما بين 1907 و1934م، وقد استطاعت القوات الاستعمارية فرض سيطرتها على كامل التراب الوطني عبر مراحل نظرا لشدة وعنف المقاومة المسلحة التي ظهرت بمختلف مناطق البلاد، تكبد خلالها المستعمر خسائر فادحة:

  • مرحلة 1912م: تم احتلال الدار البيضاء ووجدة والرباط وفاس.
  • مرحلة ما بين 1912 و1914م: سيطرت القوات الفرنسية على وسط البلاد (تازة مراكش...).
  • مرحلة ما بين 1914 و1920م: احتلال مناطق الأطلس المتوسط.
  • مرحلة ما بين 1922 و1934م: احتلت إسبانيا مناطق بأقصى الشمال والجنوب.

واجه المغاربة الاحتلال الفرنسي – الإسباني

تصدى المغاربة للغزو العسكري الأوربي للبلاد، حيث شملت المقاومة المسلحة معظم المناطق، ففي الأطلس المتوسط استمرت المقاومة 18سنة بزعامة موحا أوحمو الزياني الذي كبد القوات الفرنسية خسائر كبيرة في معركة الهري سنة 1914م، أما بالجنوب فقد قاد أحمد الهيبة المقاومة إلا أنه انهزم في معركة سيدي بوعثمان سنة 1912م، في حين كبد عسو أوبسلام القوات الفرنسية خسائر باهضة في معركة بوغافر سنة 1933م بالأطلس الصغير، في حين تزعم ثورة الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي ألحق هزيمة كبرى بالقوات الإسبانية في معركة أنوال سنة 1924م، واسترجع كل المناطق المحتلة شرق الريف، إلا أن التعاون الفرنسي الإسباني واستخدام أسلحة متطورة أجبرته على الاستسلام سنة 1926م.

مظاهر الاستغلال الاستعماري وانعكاساته على المغرب

مظاهر الاستغلال الاستعماري في الميدان الإداري

اعتمدت الحماية الفرنسية لتسهيل استغلال المغرب على أجهزة إدارية فرنسية مع الاحتفاظ بالأجهزة المخزنية التقليدية، ومن بين هذه الاجهزة:

الإدارة المغربية، وهي إدارة شكلية تتكون من:

  • السلطان: أوكلت له السلطة الدينية وإمضاء الظهائر.
  • الصدر الأعظم: مهمته الإشراف على الإدارة المغربية.
  • الوزراء : تم حذف أغلب الوزارات والاحتفاظ فقط بوزارتي العدل والأوقاف.

الإدارة الفرنسية، وهي إدارة فعلية تتكون من:

  • المقيم العام: ممثل فرنسا خولته دولته جميع السلطات: تسيير الإدارة، تشريع القوانين، إدارة الجيش ...
  • الكاتب العام: مهمته الإشراف على جميع الإدارات.
  • المديرون: مهمتهم رئاسة المديريات (الوزارات: الداخلية، المالية، التعليم العمومي ...).
  • قائد المنطقة العسكرية (فاس، مكناس، مراكش، أكادير)، والمدنية (الرباط، الدار البيضاء، وجدة).
  • مراقبون مدنيون في المناطق المدنية وضباط الشؤون الداخلية في المناطق العسكرية.

وقد تحولت الحماية إلى الحكم المباشر منذ سنة 1925م، حيث أصبحت الإقامة العامة تصدر القرارات متجاوزة المخزن، وتفرض على الحكومة المغربية تنفيذها، وعليه أصبحت للإقامة العامة سلطات مطلقة خلافا لما في جاء بنود معاهدة الحماية.

مظاهر الاستغلال الاستعماري في المجال الاقتصادي

  • الاستغلال المالي: تمثل في مساعدة الأبناك للمستعمر على انجاز الأشغال الكبرى (البنيات التحتية) لتسهيل السيطرة على اقتصاد المغرب، كان هدفها تحقيق أكبر قدر من الأرباح.
  • الاستغلال الفلاحي: تمثل في الاستيلاء على الأراضي إما بطرق ودية بمنح تعويضات نقدية أو عينية لأصحابها، أو بالقوة عن طريق شرائها بأثمان بخسة، أو غصبها من أصحابها، وكذا ارتفاع حجم الاستثمارات الفلاحية، وتزايد الاستيطان الفلاحي (الرسمي والخاص).
  • الاستغلال التجاري: عرفت بنية التجارة الخارجية عجزا في الميزان التجاري بسبب عدم تغطية قيمة الصادرات لقيمة الواردات طيلة فترة الحماية (الواردات كانت مواد مصنعة قيمتها مرتفعة والصادرات مواد فلاحية ذات قيمة منخفضة).

انعكاسات الاستغلال الاستعماري على المغرب

الانعكاسات على الصناعة التقليدية

  • اضمحلال معظم الحرف التقليدية.
  • منافسة المنتجات المصنعة المستوردة للمنتجات المحلية.
  • إفلاس التجمعات الحرفية (الحنطات).
  • تراجع الورشات النموذجية وتعاونيات الإنتاج والبيع والشراء.
  • ضعف قيمة المنتجات التقليدية ضمن صادرات المغرب.

الانعكاسات على الفلاح المغربي

  • تحول الفلاحين إلى عمال زراعيين بعد نزع ملكياتهم.
  • استغلالهم في ظروف عمل لا إنسانية وفي أعمال السخرة.
  • معاناتهم من ثقل الضرائب.
  • إجبارهم على العمل لدى المعمرين وفي المشاريع العمومية.
  • تقديمهم الإعانات عند القيام بالإصلاحات.

ما أدى إلى تفاقم وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي هجرتهم نحو المدن واستقرارهم في دور الصفيح.

خاتمة

ألحق الاستغلال الاستعماري الضرر بمصالح أغلب الطبقات الاجتماعية المغربية، مما أدى إلى نضال المغرب من أجل الاستقلال.