حق الغير: خطبة الوداع وحقوق الإنسان - الدرس

الوضعية المشكلة

كنت في ندوة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، فسمعت متدخلا يقول: “أن المواثيق الدولية كرمت المرأة خاصة والإنسان عامة بخلاف بعض التشريعات الدينية – الإسلام ء، الذي جعل تمايزا واضحا بين الرجل والمرأة، بل فضلته عليها، وأن هذه التشريعات تقيد حرية الأفراد (خطبة حجة الوداع)، لذلك ينبغي أن يعدل عنها لأنها لم تعد صالحة، ويبقى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان المصدر الوحيد والطبيعي لحقوق الإنسان”.

  • فما رأيكم في هذه المداخلة؟
  • في نظركم، ما الذي جعل هذا المتدخل ينطق بمثل هذا الكلام؟
  • وإلى أي حد استطاع المسلمون الحفاظ على أولوية التشريع لحقوق الإنسان؟
  • وما مدى استفادتهم من هذا السبق في واقعهم المعاصر؟

النصوص المؤطرة للدرس

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.

[سورة البقرة، الآية: 179]

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ لا يَمْلِكْنَ لأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا، وَإِنَّكُمْ إِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ».

[صحيح السيرة النبوية لابن هشام]

قراءة النصوص ودراستها

قاموس المفاهيم الأساسية

  • القصاص: عقوبة شرعية تستدعي أن يفعل بالفاعل مثل فعله.
  • أولي الألباب: أصحاب العقول والفطر السليمة.
  • عوان: أمانة لابد من حفظها.

مضامين النصوص الأساسية

  • بيانه تعالى أهمية الحق في الحياة، ومعاقبة المنتهك لحرمات هذا الحق بعقوبة شديدة تتمثل في القصاص.
  • وصية النبي ﷺ للرجال بضرورة حفظ نسائهم بما فيه خير وصلاح.

تحليل محاور الدرس ومناقشتها

خطبة الوداع سياقها ومضامينها

التعريف بخطبة الوداع

خطبة الوداع: هي خطبة بليغة ومؤثرة تضمنت تلخيصا عاما لأهم التشريعات والحقوق الإسلامية، ألقاها النبي ﷺ في اليوم التاسع من ذي الحجة في السنة العاشرة من الهجرة يوم عرفة على جبل الرحمة.

مضامين خطبة الوداع

لقد تضمنت خطبة الوداع من المضامين ما يجعل منها ميثاقا حقيقيا مؤسسا للمبادئ العامة لحقيقة التعايش بين الناس، ومن هذه المضامين ما يلي:

  • الوصية بتقوى الله تعالى لأنها رأس الأمر وأساسه.
  • الأشهر الحرم لها حرمة في الإسلام (ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، رجب).
  • حرمة الاعتداء على دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم.
  • وجوب أداء الأمانة إلى أهلها.
  • تحريم الظلم والربا والأخذ بالثأر والعصبية.
  • مشروعية القصاص والدية.
  • تقديم القدوة والنموذج من قبل الحاكم لرعيته حتى تكمل طاعتهم.
  • التحذير من طاعة الشيطان بارتكاب المعاصي ومحقرات الذنوب.
  • الوصية بحقوق النساء والحث على الإحسان إليهن وأن ذلك من التقوى.

تطبيقات الحقوق الواردة في حجة الوداع

من خلال مضامين خطبة الوداع، يتبين أنها غنية جدا بمبادئ إقرار حقوق الإنسان، فهي أحاطت بجميع ضرورياته في الحياة، بدأ بحفظ دينه ونفسه وعقله وعرضه وماله، عن طريق تحريم الاعتداء عليها، أو حتى الانتقاص منها، ومن أهم هذه الحقوق بصيغة أخرى معاصرة:

  • حق الإنسان في الأمن على ماله ودمه وعرضه: لقد نهى النبي ﷺ أشد النهي عن كل اعتداء يمس أمن الإنسان على ماله ودمه وعرضه، فقد قال رسول الله ﷺ: «إنّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَليكُمْ حَرَامٌ إلى أنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ».
  • حق التملك ومنع الاستغلال: المال قوام الحياة، وينبغي أن يكون متداولا بين كل الناس، حتى لا تضطرب الحياة، ويظهر الحقد وتتولد الطبقية، ويدمر الاقتصاد، ولذلك حرمت الربا، قال رسول الله ﷺ: «أَلا وَإِنَّ كُلَّ رِبَا مَوْضُوعٌ .
  • حق الاجتماع والأخوة والتعاون: قال ﷺ: «لا تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
  • حق المرأة في التكليف والتشريف: النساء شقائق الرجال، ولأن المرأة مساوية للرجل تماما من حيث إنها مكلفة كالرجل بالعقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق، وأنها مساوية له تماما في التشريف والتكريم، فقد ربط النبي عليه الصلاة والسلام حق المرأة بتقوى الله تعالى فيها ليجعل ضمان حقوقها مرتبطا بمخافة الله تعالى، سواء وجد نظام يضمن لها حقها أو لم يوجد، فالعبد مطالب على العموم بمراعاة حقوقها، قال رسول الله ﷺ: «وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا».
  • حق المساواة في الأصل البشري والإنسانية الكاملة: ومن ذلك قوله ﷺ: «أيها النّاسُ إن رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وإنّ أَبَاكُمْ واحِدٌ ، كُلكُّمْ لآدمَ وآدمُ من تُراب».

تجليات مدى تعظيم الناس لحقوق الإنسان

لقد تحدث الإسلام عن حقوق الإنسان، ووضع أسسها، وأرسى دعائمها منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، ومن المؤسف حقا في هذا الصدد أننا لا نتحدث عن أمر من أمور الإسلام إلا من جهة الدفاع ورد الشبهات عنه، كأنما الإسلام في قفص الاتهام ونحن ندافع عنه ونثبت براءته، والواجب علينا أن نطبق تعاليمه في تعالمنا مع الآخر، فنعرض ديننا ومبادئه السمحة ومقاصده الباهرة بطريق المبادأة والمبادرة التي نملك من إمكاناتها الكثير، وإذا تأملنا خطبة الوداع التي بين أيدينا، وجدنا كل ما جاءت به المواثيق الدولية من نظريات وأفكارا موجودا في هذه الكلمات المعدودة، فلا يتصور قيام حضارة واستمرارها دون مراعاة الحقوق، لكن هل فقه المسلمون حقيقة هذه الخطبة وما اشتملت عليه من خير؟