اللغة العربية - الثانية باك آداب وعلوم إنسانية

المؤلفات 1-2 : ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المعداوي المجاطي
الفصل الأول - التطور التدريجي في الشعر الحديث

 

 

الأستاذ: حسن شدادي

 

الفهرس

 

I- القسم الأول : نحو مضمون ذاتي

1-1/ الشرط الأول : الاحتكاك الفكري بالثقافات والآداب الأجنبية

2-1/ الشرط الثاني : التوفر على قدر من الحرية كي يعبر الشعراء عن تجاربهم

3-1/ التيار الإحيائي

4-1/ التيار الذاتي

5-1/ خلاصة

II- القسم الثاني: نحو شكل جديد

1-2/ المضمون الفكري للقسم الثاني

2-2/ العوامل المؤسسة للتجربة الجديدة في الشعر العربي

3-2/ المسار النقدي المعتمد

4-2/ المنهج النقدي المعتمد في مقاربة الظاهرة

 


I- القسم الأول : نحو مضمون ذاتي

 

1-1/ الشرط الأول : الاحتكاك الفكري بالثقافات والآداب الأجنبية

يؤكد أحمد المعداوي في الفصل الأول من الكتاب أن حركة تطور الشعر العربي مرهونة بتوفر شرطين أساسين هما :

  • الشرط الأول : الاحتكاك الفكري بالثقافات والآداب الأجنبية

تحقق شرط الاحتكاك الفكري في الشعر العربي منذ العصر العباسي والأندلسي، فأثمر تجارب متميزة مثلها المتنبي وأبو نواس والمعري وبشار بن برد، كما تحقق هذا التطور فنيا في شعر الموشحات الأندلسية على مستوى الإيقاع العروضي، أما العصر الحديث فأثمر تيارات تتفق على الخروج بالشعر من إطار التقليد إلى حدود التجربة الذاتية، ومع هيمنة معايير القصيدة العمودية التي كان يدافع عنها نقاد اللغة، ظل هذا التجديد محدودا وضئيلا.

نستنتج أن الشعر العربي القديم ظل في مجمله ثابتا ومحافظا على الأصول، ولم يحقق تطورا ملحوظا بسبب انعدام الحرية الإبداعية، وضعف الاحتكاك بالثقافات والآداب الأجنبية.

 

 

2-1/ الشرط الثاني : التوفر على قدر من الحرية كي يعبر الشعراء عن تجاربهم

إن غياب شرط الحرية ضيق مجال التطور في الشعر العربي، خاصة مع هيمنة علماء اللغة على النقد الأدبي، فقد قدسوا الشعر القديم، وجعلوا من قصائده المثال والنموذج المحتذى، مما فرض على تيارات التجديد التدرج في تطوير الشعر العربي.

وقد عرف الشعر العربي الحديث حركات تجديدية كثيرة، ارتبطت بنكبة فلسطين وهزيمة 1967 التي زعزعت الوجود العربي التقليدي، وفسحت مجالا واسعا للحرية، مما هيأ المجال لظهور حركتين تجديديتين في الشعر العربي الحديث:

  • الحركة التجديدية الأولى : حركة اعتمدت التطور التدريجي في مواجهة التقليد (التيار الذاتي: الديوان، الرابطة القلمية، جماعة أبولو).
  • الحركة التجديدية الثانية : حركة ظهرت بعد انهيار التقليد، وكان التجديد عندها قويا وعنيفا، يجمع بين التفتح على المفاهيم الشعرية الغربية والثورة على الأشكال الشعرية القديمة، بغرض التعبير عن مضامين نجمت عن معاناة الشاعر وواقعه نتيجة نكبة فلسطين (1948) وهزيمة 1967، إضافة إلى الشعور بالاغتراب في عالم بدون أخلاق (الشعر الحر).

وبهذا الصدد يرى المعداوي أن الاتجاه إلى الذاتية جاء بمثابة رد على الحركة الإحيائية، التي اتجهت نحو محاكاة الأقدمين دون أن تولي ذات الشاعر أهمية كبرى، ووقفت وراء هذا الاتجاه جملة من العوامل والأسباب:

  • عوامل تاريخية: تتجلى بالأساس في امتداد الرغبة في التطوير عبر العصور، واتساع مجال الانفتاح على ثقافات الأمم الأخرى.
  • عوامل فكرية : ونجملها في التشبع بالمفاهيم الشعرية الغربية، وهيمنة علماء اللغة على النقد العربي.
  • عوامل سياسية : متمثلة في أن غياب هامش الحرية فرض وتيرة التدرج في تطور الشعر العربي، كما أن نكبة فلسطين شجعت على التحرر والثورة بكل قوة وعنف.
  • عوامل اجتماعية: وتتمثل في التشبث بالوجود العربي التقليدي المحافظ، وكذا انهيار عامل الثقة في الوجود العربي التقليدي.

 

 

3-1/ التيار الإحيائي

ولمزيد من التوضيح نورد فيما يأتي ظروف نشأة كل تيار أدبي على حدة، وأهم خصائصه وأبرز ممثليه.

  • التيار الإحيائي

كانت العودة إلى التراث الشعري العربي في مراحل إشراقه، أهم مرتكز يقوم عليه التيار الإحيائي قصد تجاوز ركود عصر الانحطاط ومخلفات كساد شعره، والخروج من الأزمة الشعرية التي عاشها شعراء عصر النهضة.

ويعتبر محمود سامي البارودي أهم زعماء هذا التيار، إذ نظم شعره متوسلا بالبيان الشعري القديم، مما جعل هذا التيار حركة تقليدية محافظة جراء مجاراتها طرائق التعبير عند الشعراء القدامى، وضعف اطلاع أصحابه على الآداب الأجنبية.

إن شعار العودة إلى الماضي سرعان ما أزيح ليقوم مقامه شعار آخر، هو البحث عن الذات الفردية وتوكيدها، فترك الإحيائيون الباب مفتوحا في وجه التيار الجديد الذي ولد في أحضان هذه الدعوة، وجعل الاستجابة لنوازع الذات شعاره الأول.

 

 

4-1/ التيار الذاتي

تداخلت عدة عوامل سياسية واجتماعية وتاريخية، للدفع نحو تجاوز شعار العودة إلى التراث، والأخذ بشعار البحث عن الذات الفردية والإعلاء من شأنها، مما أنتج تيارا ذاتيا في الكتابة الشعرية العربية الحديثة، تشكل عبر الجماعات الأدبية الآتية:

أ- جماعة الديوان

سميت بهذا الاسم نسبة إلى الكتاب الذي اشترك في تأليفه عباس محمود العقاد وعبد القادر المازني عام 1921 " الديوان في الأدب والنقد"، ولم يشارك فيه عبد الرحمان شكري لخصومة بينه وبين المازني، وقد حرصت هذه الجماعة في دعوتها على التجديد من خلال استيفاء القصيدة الشروط الآتية:

  • أن تكون معبرة عن وجدان الشاعر ومجسدة لصدقه ومعاناته.
  • أن تتسم بالوحدة العضوية وتنوع القوافي.
  • أن تعتني بتصوير جواهر الأشياء، وسبر أغوار الطبيعة والتأمل فيما وراءها.
  • أن تتجنب التشبيهات الفارغة وأشعار المناسبات والمدائح الكاذبة، ووصف الأشياء والمخترعات إمعانا في التقليد.

كان الشعر في نظر هؤلاء الرواد وجدانا، وأضفى عليه كل واحد منهم معنى خاصا تجنبا لإنتاج شعر متشابه في وسائله وغاياته، وسعيا إلى التفرد والاختلاف :

  • العقاد : عد الوجدان مزيجا من الشعور والفكر، وهذا ما جعله يميل في شعره إلى التفكير؛
  • شكري : اعتبر الوجدان تأملا في أعماق الذات إلى حد تجاوز حدود الواقع، وهو ما يعني تجنب العقل المحض وتأمل ما يجول في أغوار ذاته الكسيرة، والبحث عن بواعث شقائه وألمه؛
  • المازني : كان الوجدان عنده كل ما تفيض به النفس من أحاسيس وعواطف، وهذا ما جعله يعبر عن انفعالاته بشكل عفوي وبصورة طبيعية، أي دون تدخل للعقل أو توغل في أعماق النفس.

نصل مما سبق إلى أن ميزة الشعر الذاتي عند جماعة الديوان هي التمايز والتفرد والتغني بالذات، وليس دعوة لإبداع شعر متشابه الوسائل والغايات، ولعل مرجع اهتمام الجماعة بالعنصر الذاتي أمران:

  • إعادة الاعتبار للذات المصرية التي كانت تعاني من الانهيار التام.
  • انتشار الفكر الحر بين مثقفي ومبدعي مصر، فعبروا عن أنفسهم بوصفها قيمة إنسانية مركزية.

 

 

ب- جماعة الرابطة القلمية

هي إحدى الجماعات الأدبية التي أسسها الأدباء العرب (جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، ندرة حداد، إيليا أبو ماضي، نسيب عريضة...) المهاجرون في أمريكا عام 1920 للتواصل فيما بينهم، ولتقديم رؤية جديدة للشعر العربي.

استمر نشاط الرابطة عشرة أعوام، وكان أعضاؤها ينشرون إنتاجهم الأدبي في مجلة ”الفنون“ التي أسسها نسيب عريضة، ثم في مجلة ”السائح“ لعبد المسيح حداد، وقد توقف نشاط الرابطة بوفاة مؤسسيها وتفرق أعضائها.

وقد سعت هذه الرابطة إلى تحقيق ما يلي :

  • بث روح جديدة في الأدب العربي شعره ونثره؛
  • محاربة الجمود والتقليد؛
  • تعميق صلة الأدب بالحياة؛
  • الانفتاح على الآداب العالمية.

كما وسعت الرابطة مفهوم الوجدان ليشمل كل ما ينبثق عن الذات من حياة وكون، وعلى هذا النحو اعتبروا الوجدان بأنه نفس وحياة وكون، وعندما نتمعن في شعر روادها لا نجد شيئا من ذلك التلاؤم بين النفس والكون، بل نعاين مكانه هروبا من الوجود اكتسى ألوانا مختلفة عند كل شاعر على حدة :

  • فجبران خليل جبران هرب إلى عام الغاب والطبيعة لتفادي كل ما يمكن أن يعكر صفو حياته؛ وآثر حياة الفطرة على تعقد الحضارة؛
  • وميخائيل نعيمة انقطع إلى تأمل ذاته بطريقة صوفية؛
  • وأما إيليا أبو ماضي فلما فشل في تحقيق مبتغاه متوسلا بالخيال تارة وبالقناعة تارة أخرى، اضطر إلى الفرار من الناس ومن الحضارة أسوة بجبران.

رغم معاصرة شاعر الرابطة القلمية للمد القومي العربي، إلا أنه ظل حبيس الذات والمضامين السلبية مثل اليأس والخنوع والاستسلام والقناعة، مخالفا حقيقة الوعي القومي المستلزم للأفعال الإيجابية والتغيير الثوري وترجمة المشاعر إلى الواقع العملي.

 

 

ج- جماعة أبولو

أسسها الدكتور أحمد زكي أبوشادي سنة 1977، ارتكزت في مفهومها للشعر على التغني بالذات والوجدان، إذ رأت في ذات الشاعر مصدر ما ينتج من شعره، بشكل يسمح بتعرف هذه الذات من خلال النظر في شعر صاحبها.

ويرى أحمد المجاطي أن معاني الشعر عند أصحاب هذه الجماعة تتميز بالسلبية نظرا لتعاطيهم مع مواضيع الطبيعة والهروب من الحياة الواقعية إلى الذات المنكمشة، ومن المدينة نحو الغاب، واصطباغ شعرهم بالخيبة والحرمان واليأس بالمرارة والمعاناة من الاغتراب.

اصطبغ شعر جماعة أبولو بالانفصال والتمزق والهجرة والقرار فتميز بالسلبية.

 

 

5-1/ خلاصة

إن النقد الذي وجهه أحمد المعداوي للتيار الذاتي سوغ موقع الصدارة والمشروعية الذي منحه للشعر الحديث بوصفه شعر الثورة والتغيير والممارسة الفعلية، فقبل التطرق بالتفصيل لحركة الشعر الحديث، أشار المؤلف للبوادر التجديدية الأولى التي تجسدت في الاتجاهات الوجدانية.

 

II- القسم الثاني: نحو شكل جديد

 

1-2/ المضمون الفكري للقسم الثاني

اتخذ تطور القصيدة العربية منحى متكاملا، ارتكز على مبدأ العودة إلي الذات، إذ أدرك الشاعر الوجداني أن كل تجربة جديدة لا تعبر عنها إلا لغة تستوحي صيغها التعبيرية وصورها البيانية وإيقاعاتها الموسيقية من التجربة نفسها، ومن ثم راح يعتمد للتعبير عن تجربته الذاتية أشكالا تختلف في خصائصها عما ألفه التيار التقليدي من أشكال كان مصدرها امتلاء الذاكرة وتقليد النموذج.

ويمكن إجمال خصائص الشكل في القصيدة الوجدانية في ما يلي:

  • سهولة التعبير : راح الشاعر الوجداني الحديث يقترب من أحاديث الناس، موظفا لغة الحديث المألوفة ولغة الشارع كما عند العقاد في قصيدة"أصداء الشارع" من ديوان (عابر سبيل)؛ إذ أصبحت السهولة صفة أساسا في أسلوبه.
  • الصورة البيانية : صارت تعبيرية وانفعالية وذاتية ملتصقة بتجربة الشاعر الرومانسي يريد بها شرح عاطفة أوبيان حالة بعد أن كانت عند الإحيائيين زخارف وأصباغا تراد لذاتها.
  • الوحدة العضوية : ابتغى الشاعر الوجداني ربط العواطف والأحاسيس والأفكار ببعضها ربطا يظهر القصيدة بمظهر الكائن الحي، لكل عضو من أعضاته دور مهم يحدده مكانه من الجسد، فربط القافية والوزن، مثلاء بالأفكار والعواطف الجزئية لا بموضوع القصيدة بوصفه كلا موحدا، فجاءت القصائد ذات موضوع واحد وقواف متعددة وأوزان مختلفة.

هذه المحاولات التجديدية انحصرت على مستوى الشكل بفعل الحملة التي شنها النقاد المحافظون على هذه الحركة التجديدية النامية ومحاولاتها المستهدفة للغة والأوزان والقوافي والصور البيانية.

اصطبغت نهاية هذه التيارات التجديدية بالسلبية إن في مستوى المضمون أو الشكل:

  • ففي مستوى المضمون: انحدر الشعر إلى مستوى البكاء والأنين والتفجع والشكوى، وهي معان ممعنة في الضعف وتكشف عما وراءها من مرض وخذلان.
  • وفي مستوى الشكل: فشل الشعر في مسيرته نحو الوصول إلى صورة تعبيرية ذات مقومات خاصة ومميزات مكتملة ناضجة، وكان فشله بفعل النقد المحافظ الذي استمد قوته مما كان الوجود العربي التقليدي يتمتع به من تماسك ومناعة قبل نكبة فلسطين، والذي سيتغير بعد النكبة.

 

 

2-2/ العوامل المؤسسة للتجربة الجديدة في الشعر العربي

  • عوامل تاريخية: التخلص من هيمنة الماضي والتأسيس للحاضر.
  • عوامل اجتماعية: التعبير عن الذات في تفاعلها مع الواقع.
  • عوامل سياسية: التخلص من التقليد لتحقيق التميز الذاتي والانخراط في المجتمع.
  • عوامل فكرية: التشبع بقيم جديدة حول مفهوم الشعر والتأثر بالمفاهيم الشعرية الغربية.

 

 

3-2/ المسار النقدي المعتمد

  • اعتماد التدرج التاريخي في تتبع الشكل الجديد في الشعر العربي من الولادة إلى النهاية.
  • تقديم نظري يطرح أحكاما عقلية يؤكدها بوقائع من مظاهر التجديد ومواقف النقاد.
  • النتيجة المحصلة: الوقوف على مستويات التجديد في الشعر العربي والنتيجة التي آل إليها.

 

 

4-2/ المنهج النقدي المعتمد في مقاربة الظاهرة

يعتمد أحمد المعداوي في القسم الثاني منهجا تاريخيا فنيا يركز فيه على الجانب الفكري والثقافي والاجتماعي الفاعل في عملية تجديد الشعر العربي من خلال مستوى التجديد ومظاهره عند الشعراء ومواقف النقاد من التجربة.

ويتمثل المنهج التاريخي في تحقيب الشعر العربي فنيا من خلال التوقف عند الأسباب الداعية إلى التجديد ومراحل التجديد والعوائق التي حالت دون استمراره وعجلت بتوقفه.