اللغة العربية - الثانية باك آداب وعلوم إنسانية

سؤال الذات - نموذج شعري 1-2
إلى دودة (ميخائيل نعيمة)

 

 

الأستاذ: حسن شدادي

 

الفهرس

 

I- النص

II- تمهيد

III- دلالة العنوان

IV- فرضية النص

V- مضمون القصيدة

VI- المعجم

VII- تحليل النص

1-7/ البنية الايقاعية

2-7/ الصور الشعرية

3-7/ الأساليب

IIX- تركيب وتقويم

 


I- النص

 

إلى دودة

 

II- تمهيد

 

تنتمي قصيدة "إلى دودة" إلى اتجاه سؤال الذات، وهو اتجاه تميز برفضه للبعث والإحياء، الذي عاد شعراؤه إلى القصيدة العربية القديمة وقلدوها. هكذا رفض الشعراء الرومانسيون كل أشكال التقليد التي اتسم بها الشعر العربي، ودعوا إلى تحرير الفرد من القيود، وتغنوا بالذات وجعلوها مركز الإبداع. علاوة على ذلك عمل شعراء سؤال الذات على اعتماد الخيال والحلول في الطبيعة، لأجل التعبير عن ذواتهم وأحزانها وأفراحها، حيث سادت عندهم مشاعر الحزن والتشاؤم والضياع والكآبة والغربة، وطغت لديهم نزعة التأمل الفلسفي والبحث في الوجود والكون. كما وظفوا بنية إيقاعية تساير رفضهم للتقليد، تمثلت في تنويع الأوزان وتعدد القافية والروي، واعتماد المقاطع الشعرية، والإيمان بالمفهوم الشمولي للأدب. وقد مثل الاتجاه الرومانسي في الوطن العربي عدة جماعات وهي:

  • جماعة الديوان: استمدت اسمها من كتاب العقاد سنة (1921) بعنوان "الديوان" مثلها عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، وعبد الرحمان شكري؛
  • مدرسة أبولو: أسسها أحمد زكي أبو شادي (1932-1935) وسميت باسم مجلة "أبولو"، وانتهى إليها إبراهيم ناجي، ومطران خليل مطران، وأبو القاسم الشابي، وعلي محمود طه
  • الرابطة القلمية: تشكلت بالمهجر الأمريكي سنة (1923) تزعمها جبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي، وميخائيل نعيمة؛

ويعد هذا الأخير متميزا داخل شعر التيار الذاتي، حيث ساهم في تكوينه العديد من العوامل أهمها ثقافته العربية التي عززها بالثقافة الإنجليزية والروسية. عاش حياته الطويلة متنقلا بين لبنان وروسيا وأمريكا، وهو فيلسوف الرابطة القلمية ورائد أدب المهجريين، حيث براعته في الجمع بين مختلف الثقافات، الشيء الذي أغنى تجربته وأضفى عليها طابع التنوع.

 

III- دلالة العنوان

 

جاء العنوان شبه جملة بشكل يجعلنا نخمن أن الشاعر يتوجه بحديثه إلى دودة بحيث يمكن تقدير باقي الجملة بـ: رسالة إلى دودة. وإذا كان الحديث مع غير العاقل غير ممكن فالمعنى المباشر للعنوان ملغى، وبالتالي نفترض أن الشاعر لا يتحدث للدودة وإنما لذاته عبر توظيفه للطبيعة الحية لذات الغرض، من هنا نفترض أن النص تعبير عما أثارته الدودة في نفس الشاعر من أحاسيس وانفعالات ومواقف.

 

IV- فرضية النص

 

وإذا وقفنا عند الشكل الخارجي للنص نجد الشاعر قد اعتمد الإطار الموسيقي القديم حيث وحدة الوزن (الطويل) ووحدة القافية والروي وتصريع البيت الأول، وبالتالي فالمضمون الشعري للنص وجداني ذاتي نابع من وجدان الشاعر وأنه صب في قالب موسيقي قديم.

  • فما هي مظاهر اتجاه سؤال الذات في قصيدة "إلى دودة" ؟
  • وما هي أهم الخصائص الفنية والأسلوبية والإيقاعية التي اعتمدها الشاعر للتعبير عن ذاته؟
  • وإلى أي حد تمثل هذه القصيدة الحركة الرومانسية شكلا ومضمونا؟

 

V- مضمون القصيدة

 

تعكس القصيدة التجربة الذاتية والوجدانية لذات الشاعر لأنها تعبير عن تقلباتها بين الأمل واليأس من استبطان سر الوجود، وهي خطاب موجه من الشاعر إلى ذاته عن طريق الدودة ويمكن تصنيفه إلى محاور دلالية ثلاثة.

المحور الدلالي الأول

توجيه الشاعر الخطاب إلى الدودة مخبرا إياها بأن دبيبها على الأرض يشبه دبيب الوهن في جسمه المتعب، ويثير فيه إحساسا بحتمية النهاية (الموت)/ هي تيسر ببطء وهو يركض مسرعا لا يجني سوى الخيبات وتعثر الآمال، أساس حياته الوهم بتحقيق أماله وحينما تتحطم يلقي باللوم على الزمان/ مستمر بين الأمل وبين اليأس. (1-4).

المحور الدلالي الثاني

شكوى الشاعر حاله للدودة بنبرة الغبطة، فلولا الشك الذي يعمي بصره لوجد في دبيبها السكينة، ولعاش مغرورا بأفكاره مستكينا لها، لا يسأل عن دواعي وجوده وبواعث حاله، يحيا بطبيعته أعمى سائرا في هدى لا مبصرا في طريق التيه، متمتعا بعناية الأرض والسماء، ويعلل الشاعر قلقه فيربطه بانشطار ذاته بين قلب مسلم بالأمر وفكر عنيد أتعبه سؤالا.  توهم أن وراء الكون سرا يمكن الوصول إليه بالسؤال فراح يبحث في كل مكان مسببا له الوهن والضعف. (5-15).

المحور الدلالي الثالث

ينتهي الشاعر إلى أن الحياة ذات أشكال وألوان يحار فيها الناظر المتأمل، وألا مراتب أو أقدار فيها، وأن من يبحث عن سرها لكمن يشتري العطش بالماء كناية عن لا نهائية السؤال. (16-18).

 

VI- المعجم

 

إن أول ما يستوقفنا ونحن في المرحلة الأولى من التحليل هو معجم هذه القصيدة الذي جاء ممثلا للتيار الرومانسي من حيث احتواؤه على ألفاظ وعبارات دالة على عالم الذات (الشاعر) وألفاظ دالة على عالم الطبيعة (الدودة) :

عالم الذات (الشاعر) عالم الطبيعة (الدودة)
جسمي، نعشي، أكفاني، آمالي، أحزاني، عمري، بنياني، لي حياة، الشك، أفكاري... تدبين، عمياء، دودة الثري، دبيبك، أزحف، بك الأرض مهد، أختاه...

يشير الحقل الأول إلى القلق والشك والاضطراب والشقاء والتوهم والشكوى والخيبة الاستسلام، وهي تيمات غطت الشعر الرومانسي عامة. بينما الثاني يقدم صورة عن الدودة وهي تحيا متمتعة بسكينتها وطمأنينتها جاهلة لا تسأل عن دواعي وجودها وبواعث شقائها أو سعادتها.  وبين الحقلين علاقة مقابلة: الشاعر/ الثقافة= التساؤل+ الشك.. الدودة: الطبيعة= العيش بسلام+ انعدام الحيرة... والطبيعة في النص فضاء للتأمل ومحاولة استبطان أسرار الكون وخباياه.

 

VII- تحليل النص

 

1-7/ البنية الايقاعية

وقد تجسد التقليد للبنية التقليدية القديمة في هذه القصيدة في الشكل الهندسي الصارم المعتمد على نظام الشطرين المتناظرين والوزن العروضي الموحد والمتجلي في البحر الطويل ذي التفاعيل المختلطة. فضلا عن القافية المتواترة المطلقة المردوفة الموصولة بمد والتي التزمت في كل القصيدة.

وإذا انتبهنا إلى وحدة الوزن ووحدة القافية ووحدة الروي ثم إلى تصريع البيت الأول، نجد الشاعر قد التزم بالإطار الموسيقي القديم وربط الوزن والقافية بالموضوع العام للقصيدة لا بأجزائها المتغيرة بتغير الأفكار والعواطف والصور.

وبخصوص الإيقاع الداخلي وظف الشاعر موسيقى داخلية ناشئة من طريقة ترتيبه للكلمات وتوزيعه للأصوات، فمن ناحية الصوائت لفي تكرارا واضحا لصوتي الياء والكسرة اللذان يدلان على الحزن والانكسار. أما الصوامت فنجد كثرة النون واللام في النص، وهما معا صوتان مجهوران موزعان بشكل غير مضن ومعبر عن جهر الشاعر بالحقيقة التي يقسم عليها. هذا فضلا عن تكرار بعض الكلمات مثل: أحزاني، في كل يوم وهو تكرار تام نادر في النص. وتكرار الصيغ الصرفية: أشكال = ألوان، دواعي = بواعث، أنقاض = أحزان والنسق العروضي ممثلا في تكرار نفس التفعيلة والقافية والروي.

 

 

2-7/ الصور الشعرية

وإذا انتقلنا إلى الناحية الفنية نجد أن صور النص مغرقة في التخييل بحيث لم تعد تخضع لوصاية العقل مقارنة مع الصور التي ألفناها في الشعر التقليدي والإحيائي، ولا أدل على ذلك من مجيء النص برمته صورة شعرية كبرى داخلها صور شعرية صغرى كثيرة مكونة لها، وتستمد الصور الشعرية في النص مكوناتها من العالم الحسي وتجسد ما هو معنوي (كف الزمان).. وهي تعتمد على الأدوات البيانية الموروثة من تشبيه واستعارة ومجاز وكناية وتؤطرها علاقتا المشابهة والمجاورة: فالاستعارة نجدها في البيت 2 و3..، والمجاز العقلي في البيت :6. ولا يمكن بتاتا نقل صورة من موضعها لأن المعنى سيضطرب، فهي مرتبطة بذات الشاعر ونابعة منها مترابطة فيما بينها يوحدها مضمون فكري - وجداني واحد وهذا ما أكسب النص وحدته العضوية.

إضافة إلى الصور المرتكزة إلى الأدوات البلاغية التقليدية نجد صورا إيحائية تلميحية كبناء القصور من الهباء، وضباب الشك الذي يمنع اليقين- الأرض مهد – السماء مظلة ....

من هنا نخلص إلى القول بأن وظيفتها في النص تعبيرية تتجاوز التجميل، وذلك يعني أن الخيال الذي يصدر عنه الشاعر غير الخيال الكلاسيكي الذي يقوم على مسافة نفسية فاصلة بين الشاعر وبين موضوعه.

 

 

3-7/ الأساليب

أما الأساليب فيمكن أن نميز فيها بين أسلوبين؛ الأسلوب الخبري وهو أسلوب يطغى في النص فيما يحضر الإنشائي بشكل خافت لكنه لا يخلو من دلالة، الجمل الخبرية ابتدائية في أغلبها، وتتجاوز دلالتها إلى التعبير عن مشاغل الذات وهمومها. أما الجمل الإنشائية فهي موزعة على النداء (مرتين) والقسم (مرة واحدة).  وندرتها يؤكد اقتناع الشاعر بعبثية طرح السؤال حول حقيقة الحياة، وهو يدعم التحول وإلغاء المسافة الفاصلة بينه والطبيعة.

خضعت معاني النص لمنطق التضاد بحكم تأطيرها ضمن إشكالية الطبيعة/ الدودة والثقافة/ الشاعر من جهة، والتضاد بين قلب الشاعر وفكره؛ تضاد خارجي: بين الشاعر وبين الدودة (- سكينة) و (+ سكينة). وتضاد داخلي: بين قلب الشاعر (تسليم بالأمر الواقع) وبين فكره (عناد وتساؤل).. وهو يشكل البنية العميقة للنص لأن ساحة التفاعل بين الشاعر والدودة هي وجدان الشاعر نفسه. وهو تضاد سرعان ما صار إلى توافق وانسجام على حساب الفكر.

 

IIX- تركيب وتقويم

 

النص ينتمي إلى سؤال الذات لأن الشاعر ركز عليها، خاصة جانبها الوجداني (القلق والتأمل في الوجود)، المعبر عن تجربة المعاناة مع أسئلة الوجود في قالب لم يسلم من مخلفات القصيد القديم.

لقد نجح النص في ربط الأفكار والمشاعر والعواطف بذات الشاعر لكنه لم ينجح في تخطي الموروث الشعري الذي حمل شعار تجاوزه، وما يقال عن النص يقال عن شعر الرابطة القلمية وعن الشعر الرومانسي العربي كله.