اللغة العربية - الثانية باك آداب وعلوم إنسانية

المؤلفات 1-4 : ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المعداوي المجاطي
الفصل الثالث - تجربة الموت والحياة

 

 

الأستاذ: حسن شدادي

 

الفهرس

 

I- المضمون الفكري للفصل الثالث

II- رصد مظاهر تجربة الموت والحياة عند بعض شعراء الشعر الحديث

1-2/ أدونيس

2-2/ خليل حاوي

3-2/ بدر شاكر السياب

4-2/ عبد الوهاب البياتي

III- المسار النقدي المعتمد في الفصل الثالث

IV- وضعية اللغة في الفصل الثالث

 


I- المضمون الفكري للفصل الثالث

 

لم يكن حال الأمة العربية كله مدعاة لليأس والغربة والضياع والسأم والحزن، ذلك أن العشرين سنة التي تلت النكبة قد شهدت هزات عنيفة وتغيرات واسعة شملت العام العربي كله، مما ولد حالا آخر ممثلا في إيقاع الأمل والحياة واليقظة والتجدد، بسبب ما تم إنجازه واقعيا وسياسيا بدأ بثورة مصر سنة 1952، مرورا بتأميم قناة السويس ورد العدوان الثلاثي، وصولا إلى استقلال أقطار العام العربي... الشيء الذي انعكس في أشعار بعض شعراء هذه المرحلة، ذكر أحمد المجاطي أربعة هم: بدر شاكر السياب، وخليل حاوي، وأدونيس، وعبد الوهاب البياتي.

لقد رفض الشاعر من هؤلاء الموت، موت الحياة الذي ليس بعده بعث، وقبل بموت تكون معه الحياة، فعانق بذلك الرفض والثورة والنضال، والتجدد والأمل والتحول والحياة.

يرى المجاطي أن هؤلاء الشعراء هم أفضل من مثل هذا الاتجاه، ويحدد الخصائص التي توحد بينهم في ما يلي:

  • ارتباط تجربتهم بالحياة والموت؛
  • ارتباط تجربتهم بالواقع الحضاري للأمة؛
  • رغبتهم في الانتصار على جميع التحديات التي تواجه الذات والكون والزمن والجماعة؛
  • استخدامهم للمنهج الأسطوري؛
  • استشراف المستقبل.

لقد استفاد الشاعر الحديث من مجموعة من الأساطير والرموز الدالة على البعث والتجدد، استلهمها من الوثنية البابلية واليونانية والفينيقية والعربية، ومن المعتقدات المسيحية ومن الفكر الإنساني عامة، ومن هذه الأساطير نذكر: تموز وعشتار، وأورفيوس، وطائر الفينيق، ومهيار الدمشقي، والعنقاء، والسندباد، وعمر الخيام، والحلاج... مما أبرز منهجا نقديا وأدبيا وفلسفيا يسمى بالمنهج الأسطوري، يصوغ فيه الشاعر مشاعره ورؤاه ومجمل تجربته في صور رمزية، يتم بواسطتها التواصل عن طريق التغلغل في اللاشعور حيث تكمن رواسب المعتقدات والأفكار المشتركة.

 

II- رصد مظاهر تجربة الموت والحياة عند بعض شعراء الشعر الحديث

 

1-2/ أدونيس

ركز الكاتب في دراسته لأدونيس على ديوانيه (كتاب التحولات والهجرة في أقاليم النهار والليل) و (المسرح والمرايا )، فلاحظ أن ما يميز تجربة الحياة والموت عند أدونيس من خلالهما هو صدورها عن ذات محتقنة بفحولة التاريخ العربي، في واقع يفتقر إلى الفحولة والخصب، ومحتقنة بجموح الحضارة العربية قبل أن يسلط سيف الاستعمار على عنقها.

كان موقف أدونيس من الواقع العربي المنهار هو موقف الرافض للموت، لذلك كان في شعره اتجاهان :

  • اتجاه ينطلق من الحيرة والتساؤل، والبحث عن وسيلة للبعث.
  • اتجاه ينطلق من اكتشاف مفهوم التحول بوصفه وسيلة لدفع الواقع العربي نحو البعث والتجدد.

والاتجاهان معا متكاملان منسجمان مع موقف احتقان الذات بفحولة التاريخ العربي وإمكانية البعث، وبإمكانية التحول التي تدور حولها معاني الحياة والموت عند أدونيس.

لقد كان المنهج الأسطوري بارزا جليا في شعر أدونيس، عكس مفهوم التحول الذي انفلت من إطار هذا المنهج أحيانا، ليؤسس عالما شعريا لا نهاية فيه للعمليات الكيميائية بين عناصر الذات والأشياء والروح والمادة والحياة والحصاد، من أجل أن يتحقق النصر الكامل للحياة، مما جعل شعر أدونيس أقل ارتباطا بحركة التاريخ العربي، إذ أمعن في تخطيها وتجاوزها طمعا في إقامة حوار غريب مع زمن م يجئ بعد.

 

 

2-2/ خليل حاوي

عبر خليل حاوي في دواوينه الثلاثة (نهر الرماد) و(الناي والريح) و(بيادر الجوع)، عن مبدإ آخر غير مبدإ التحول، هو مبدأ المعاناة الحاضر في مقدمات قصائده وفي شعره، معاناة الموت ومعاناة البعث على إيقاع من الأمل واليأس بصور الخراب والدمار والجفاف والعقم، وقد وظف في شعره أسطورة تموز وأسطورة العنقاء، دلالة على الخراب الحضاري والتجدد مع العنقاء.

ويرى أحمد المجاطي في تجربة الشاعر خليل حاوي تجربة عظيمة قائمة على التوافق بينها وبين حركة الواقع في حقبة من تاريخ الأمة العربية، وعلى قدرته في تجاوز ذلك الواقع وتخطيه، وعلى معاينة ملامح الواقع المرعب المنتظر.

 

 

3-2/ بدر شاكر السياب

تناول السياب في الكثير من قصائده معاني الموت والبعث، فعبر عن طبيعة الفداء في الموت معتقدا أن الخلاص لا يكون إلا بالموت، بمزيد من الأموات والضحايا كما في قصيدة " النهر والموت".

لقد عمل السياب على استثمار الإطار الأسطوري ليحول الموت إلى فداء، ليجعل الفداء ثمنا للموت، كما فعل في قصيدة " المسيح بعد الصلب " مثلا حين استخدم رمز المسيح للتعبير عن فكرة الخلاص.

ويرى المجاطي أن إدراك السياب لجدلية الحياة والموت، وتحويل الموت إلى فداء، قد يكون له علاقة بمزاجه، أو التركيب الغريب لعقله الباطن، ويقر الكاتب أن السياب عرف كيف يفيد من ذلك في تتبع معاني الحياة والموت على مستوى الواقع الذاتي والحضاري.

 

 

4-2/ عبد الوهاب البياتي

تحمل أشعار البياتي قضية الصراع بين الذات وموت الحضارة وبعثهما، من خلال جدلية الأمل واليأس، وقد تمت صياغة هذه القضية في أشعار البياتي من خلال ثلاثة منحنيات هي :

  • منحنى الأمل : وفيه انتصار ساحق للحياة على الموت، وتمثله الأعمال الشعرية التالية: (كلمات لا تموت / النار والكلمات / سفر الفقر والثورة)، إذ يظهر الشاعر مناضلا يعيش الأمل لصالح الحياة، فيغدو السقوط حياة والهزيمة انتصارا والموت حياة.
  • منحنى الانتظار : وفيه تتكافأً الحياة مع الموت، ويمثله ديوان (الذي يأتي ولا يأتي)، تشكله أربعة خطوط هي: خط الحياة وخط الموت وخط الاستفهام وخط الرجاء والتمني.
  • منحنى الشك: يتم فيه انتصار الموت على الحياة، ويمثله ديوان (الموت والحياة)، وهو يكشف زيف النضال العربي، لأنه لا موت بدون نضال، ولا بعث بدون موت.

يصل الكاتب إلى حكم مفاده أن قدرة البياتي على كشف الواقع هي سبب اهتمامه بالموت، وأن اهتمامه بالحياة مصدره إيمانه بالثورة والصراع بين الحياة والموت، وأنه من كل ذلك تفجرت صور الأمل واليأس وصور القلق والانتظار.

لم يغفل المجاطي، وهو ينهي مقاربة هذه التجربة، التنويه بإضافتها النوعية المتمثلة في المضامين وكشف الواقع واستشراف المستقبل، مما جعل منها تجربة مرتبطة بحركة التاريخ خلال العشرين سنة الفاصلة بين النكبة والنكسة، رغم كونها لم تأت أكلها.

ويحدد الكاتب العوامل التي حالت دون وصول هذه التجربة للجماهير العربية في :

  • عامل ديني قومي : الخوف مما يمكن أن تمثله هذه التجربة من تطاول على التراث بإسم الشعر؛
  • عامل ثقافي : وقوف جماعة من الشعراء والنقاد في وجه ما هو جديد؛
  • خوف الحكام من المضامين الثورية لهذه التجربة، مما جعلهم يلجأون إلى المصادرة والمنع والسجن والنفي.

 

III- المسار النقدي المعتمد في الفصل الثالث

 

اعتمد الناقد في دراسته النقدية على حصر الظاهرة في إشكالية الموت والحياة، ودرسها اعتمادا على عينة خاصة من الشعراء دون احترام الأولوية والترتيب الزمني للشعراء بدأ بأدونيس ثم خليل حاوي ثم السياب فالبياتي، مع اهتمام خاص بتجربة الموت التي أعطاها حيزا متميزا عن تجربة الحياة فأسهب مع البياتي في المنحنى الثاني والثالث بينما السياب كان حضه من الاهتمام أقل.

 

IV- وضعية اللغة في الفصل الثالث

 

اللغة تسير على نفس النسق اللغوي في الفصل الثاني ،يطغى عليها الطابع التقريري بما أنها تعتمد على معطيات تاريخية في تتبع مسار تجربة الشعر الحديث، إلا أن الجديد هنا هو التيمة الجديدة: تيمة الحياة والموت والبعث مع ما صاحبها من حقل أسطوري: فنيق – العنقاء – مهيار – تموز – عشتار – المسيح – الخضر.

والناقد في هذا الفصل اشتغل على ثنائية الحياة والموت كثنائية متكاملة تؤكد أن الحياة الحقيقية مرتبطة بالموت والنضال، وبالموت يتحقق البعث.

كما تتسم اللغة بقوة الإقناع والحجاج من خلال استعمال أسلوب التعريف وأسلوب الوصف وسرد الوقائع واللجوء إلى التقويم والحكم وتوظيف آليات الحجاج العقلي والمنطقي اعتمادا على وقائع واستشهاد شعري مرتبط بموضوع التجربة، وإن كانت العينة هنا أقل عن سابقتها في الفصل الثاني.