الشاوية ورديغة 2014 - الموضوع

الهجرة وتوزيع السكان في الوطن العربي

تحول التوزيع السكاني في الوطن العربي، مع مرور الوقت الى ظاهرة دينامية تتميز بالتغير الدائم، ففي إطار العلاقات شبه الثابتة التي كانت قائمة بين المناطق الريفية والحضرية، كان هناك نوع من التوازن الأيكولوجي في توزيع السكان، إلا أن هذا التوازن يتعرض للخلل نتيجة التغير الواسع الذي حدث في عناصر العلاقات التي تشكل بنية هذا الإطار، وكان أبرز جوانب هذا الخلل تغير العلاقة في مراكز الثقل السكاني التي تمثلها المناطق الريفية والبوادي.

لقد شهدت المنطقة العربية خلال العقود الأخيرة حركة أكثر انتشارا في هجرة سكان الريف الى المدن، ولاسيما المدن الرئيسية وذلك بتأثير عوامل متعددة يأتي في مقدمتها:

البحث عن فرص الشغل، خصوصا وأن مركز الثقل في تطور حركة التصنيع يوجد في المناطق الحضرية والمدن الرئيسية بالذات، مقابل إهمال نسبي متفاوت للمناطق الريفية
نوع وطبيعة العلاقات التجارية للدول العربية، إذ من الطبيعي أن ترتفع درجة التحضر في أية دولة تتركز صادراتها في عدد محدود من السلع غير الزراعية، فمعدلات وحجم تيارات الهجرة تتزايد بتزايد فرص العمل والنشاط الاقتصادي غير الزراعي
نظام الملكية الذي يسمح بالاحتفاظ بالأرض لأغراض المتاجرة العقارية دون استغلالها زراعيا، وغيره من الأنظمة والقوانين والتشريعات، مما قلل من إمكانية وجود توازن بين سكان الريف والمدن، الأمر الذي أدى الى خروج أعداد كبيرة من الريف بحثا عن فرص الشغل حيث ينتهي الكثير منهم الى العيش في ظروف أسوأ من ظروف حياتهم الريفية

هذا التسارع في ظاهرة التحضر خلق إشكالات شتى من الإرباكات الاقتصادية والاجتماعية أهمها: ظاهرة الانفجار السكاني في المدن الرئيسية التي تضاعف عدد سكانها بمعدل يوازي ضعف معدل الزيادة الطبيعية للسكان، مما جعله يفوق الإمكانات الاستيعابية في هذه المدن، مقابل التناقض المتزايد في حجم العمال الزراعيين وما يترتب عن ذلك من انعكاسات سلبية على مساحات الأراضي القابلة للزراعة، مثل بروز ظاهرة امتداد المدن، وتآكل وتصحر الأراضي الزراعية، وانتشار الأحياء الفقيرة والعشوائية ذات الكثافة السكانية العالية، وتردي العلاقات الاجتماعية وتراجع القيم.

زكي حنوش – أسباب ونتائج الهجرة السكانية من الريف إلى الحضر في الوطن العربي، مجلة عالم الفكر، يونيو 1999