إذا كان الواجب يتضمن نوعا من الإكراه والإلزام، فإن هذا الإكراه والإلزام قد لا يكون باطنيا وفرديا، بحيث يرتبط فقط بالقهر الذي يمارسه القانون الأخلاقي على الفرد، بل قد يكون أيضا خارجيا واجتماعيا، بحيث يرتبط بالقهر الذي يمارسه المجتمع بمختلف مكوناته (المؤسسات، العادات، التقاليد، والأعراف…) على الأفراد المكونين له.
وهذا يعني أن الواجب، بوصفه إكراها اجتماعيا، قد يشكل تجاوزا لإرادة الأفراد، وفي نفس الوقت يوجه سلوكاتهم ويؤطر وجودهم، من هنا تطرح إشكالية علاقة الواجب بالمجتمع.
1- أبني الإشكال من خلال :
2- أبني أطروحة دوركهايم من خلال :
3- أحكم على أطروحة دوركهايم وقيمتها الفلسفية من خلال :
يعتبر الواجب الأخلاقي في نظر دوركهايم تجسيدا لسلطة المجتمع، إنه مصدرجميع القيم الأخلاقية وعلى رأسها الواجب، إذ يعمل المجتمع على ترسيخها في الأفراد عن طريق التربية والتنشئة الاجتماعية التي تعمل على تشكيل ما يسمى بالضمير الجمعي كمحدد لكل قيم المجتمع وفضائله. فالفرد غالبا ما يخضع لسلطة عليا قاهرة له وخارجة عن إرادته، إنه المجتمع كمصدر للواجبات الأخلاقية.
فالواجب الأخلاقي إذن جمعي اجتماعي لأنه يفرض نفسه بشكل عام على جميع أفراد المجتمع، فهو سلطة إكراهية متعالية عن الضمائر الفردية وهي سلطة الضمير الجمعي كسلطة تختلف باختلاف الزمان والمكان وسائر الظروف المتغيرة، مما يعني أن الواجب حسب دوركهايم ينطوي على أبعاد خصوصية محلية اجتماعية نسبية ترتبط بكل مجتمع على حدى، ويقول في هذا الصدد: «الضمير الأخلاقي لم ينتج إلا عن المجتمع ولا يعبر إلا عنه».
1- أبني الإشكال من خلال :
2- أبني أطروحة برغسون من خلال :
3- أستنبط البنية المفاهيمية للنص من خلال :
في مقابل التصور الدوركهايمي المتحدث باسم اجتماعية الواجبات، وفي إطار كونية الواجبات يدعو فيلسوف الطاقة الروحية هنري بيرغسون إلى ضرورة تجاوز الأخلاق المنغلقة التي يكرسها المجتمع، ويطالب بتوسيع مفهوم الواجب بالانفتاح على ما سماه بالواجب الأخلاقي الكوني الذي ينفتح على الكلي والشمولي نحو أفق يتمثل في الإيمان بالإنسان كمواطن في العالم (المواطنة العالمية)، حتى نضع بذلك أرضية خصبة للتعايش والسلام العالمي واحترام حياة وحقوق الآخرين، وبالتالي تجنب كل الصراعات والأزمات التي يعرفها العالم اليوم تحت مسميات صراع الحضارات واصطدام الثقافات.
1- أبني الإشكال من خلال :
2- أبني أطروحة راولس من خلال :
3- أستنبط البنية المفاهيمية للنص من خلال :
4- أناقش أطروحة صاحب النص من خلال :
يذهب المفكر الأمريكي جون راولس في حديثه عن الواجبات الكونية إلى أن الواجب الأخلاقي ليس رهين مجتمع بعينه، وإنما هو منفتح على ما هو كوني إنساني، فواجبات الإنسان على الإنسان كثيرة وعلى رأسها واجب التضامن مع الأجيال القادمة كجوهر للعدالة المنصفة، حتى يصبح الواجب بذلك نمطا من التضامن يؤسسه الجيل السابق للجيل اللاحق بأن يوفر له كل إمكانيات العيش المريح.
وفي هذا الصدد يقول راولز : «على كل جيل أن يتلقى ما يستحق من سابقيه، كما أن عليه أن يلبي بطريقة منصفة متطلبات لاحقيه».
وبالتالي فكل جيل يحمل على عاتقه ضرورة تأمين مستقبل الأجيال القدمة، فالمحافظة على الطبيعة وثروتها حق إنساني مشترك يلزم تعاقدا حول مبدأ التوفير الطبيعي في إطار العدالة المنصفة التي تضمن استمرارية تدفق الحياة والثروات بين مختلف الأجيال.
يتبين لنا من خلال ما سبق أن الواجبات الأخلاقية لا تنحصر في ما هو اجتماعي خصوصي محلي متعلق بخصوصية مجتمع ما (دوركهايم) أو موجه نحو ساكنة الأرض فقط (بيرغسون)، وإنما يتجاوز ذلك الى ما هو أبعد، إنها واجبات جيل تجاه جيل آخر، وهي مرهونة بتحقيق مبدأ التضامن والتعاون الإنسانيين، وبالتالي تأسيس عالم يحقق السعادة المشتركة للناس جميعا رغم اختلافاتهم الدينية واللغوية والعرقية.
مادامت الحمولة الأخلاقية التي يحمل بها مفهوم الواجب دائما، والتي تبلوره في كونه أمرا أخلاقيا ملزما لكل الناس، فإن هذا الأمر الأخلاقي لا يكون كذلك إلا حينما يصدر أحيانا عن سلطة متولدة من إحساس داخلي بالواجب تجاه الذات والآخرين (التزام)، وأحيانا أخرى حينما يصدر عن سلطة المجتمع كإكراه خارجي (إلزام).
بيد أن هذا الأمر الأخلاقي يمثل في حين ثالثة قانونا عقليا وأخلاقيا، يتأتى للإنسان انطلاقا من الوعي الأخلاقي باعتباره مجالا للتجربة الفردية المتميزة بصراع الواجبات والمستوجبة لإرادة خيرة، حرة ومسؤولة تجاه الذات والمجتمع، تسمح للفرد في نهاية المطاف بالخروج من الضمير الأخلاقي إلى الانفتاح على القيم الكونية والواجبات الإنسانية، وذلك بغية إنهاء صدام الواجبات والمسؤوليات.