أقلعت الطائرة وعلى متنها السلطان وولداه في الساعة الثانية بعد الزوال في اتجاه مجهول، وكانت من النوع الخاص بتدريب المظليين، فلم تكن بها مقاعد. وكان على السلطان والأميرين أن يجلسوا على الأرض، ولم يكونوا يلبسون غير البيجامات تحت الجلابيب الخفيفة. فكانوا يرتعشون من البرد خلال السفر الذي استغرق ثمان ساعات. وطلب سيدي محمد ماء فقدموا له زجاجة من الجعة، ولما شرح أنه مسلم لا يشرب الخمر، ردوا عليه بأنه الشراب الوحيد الموجود بالطائرة والمعد للعسكريين من ركابها الذين يفضلون الجعة على الماء. ولم يكن الملك وولداه قد تناولوا طعاما طول النهار، فطلبوا قطعة من الخبز، ولكن الجنود أجابوا بأن الطائرة ليس فيها طعام لأنها ليست من النوع الفاخر. وفي العاشرة ليلا وصلوا الى جزيرة كورسيكا، وكان الموظفون الفرنسيون الذين استقبلوهم في المطار يجهلون كل شيء عن وضعيتهم والغرض من زيارتهم، حتى أن أكبرهم حسب أنهم جاؤوا لقضاء الاجازة. ونزلوا في دار الوالي الذي لم يأل جهدا في التخفيف عنهم، ولكنه لم يكن بيده توفير كل ما يحتاجون إليه، لأنهم لم يحملوا معهم متاعا ولا حتى فرشاة أسنان. وهكذا قضوا عدة أيام في البيجامات والجلابيب في جو خال من كل تسلية. وكانوا يمنعون من الاتصال بأي شخص، وحتى الخروج إلى السوق لو سمح لهم به لم يكن مغريا، لأنهم لم يكونوا يملكون نقودا. وحين وصلت الأسرة الملكية إلى مدغشقر، وجدت المندوب السامي فيها رجلا يتصف بمزايا الانسان وليس بالسجان. وكان له مستشار مؤقت وهو رئيس رجال الدرك العقيد تويا الذي لم يكن يعرف عن سيدي محمد والمشكل المغربي إلا القليل مما قرأه في الصحف الفرنسية. وحين إلتقى به أيقن أنه ذهب ضحية دعاية مغرضة وموجهة، فربطته به المودة والولاء والاخلاص، وأصبح صديقا للأسرة الملكية. ولم يرتح سيدي محمد لمشروع نقله إلى تاهايتي التي قررت السلطات الفرنسية نقله إليها، لأنه يكره الابتعاد عن المغرب، ويرغب في أن يواصل أبناؤه تعليمهم في مدغشقر، فطلب من العقيد تويا أن يتدخل لدى فرنسا لإبقائه في مدغشقر . وقد قبلت رغبته وتقرر أن تقيم الأسرة الملكية في “أنتسيرابي”. وكان المغرب طبعا أهم ما يشغل باله طوال النهار، فكان يلتقط أخباره من الإذاعة والصحف، فإذا كانت هذه الأخبار سيئة سهد يصلي حتى الفجر. وقد وصف أحدهم حالته في مدغشقر بقوله: «لكونه إنسانا كان محمد بن يوسف يتألم، ولكونه مسلما كان يقبل قدره، ولكونه مناضلا كان يصمد في سبيل تحقيق حقوق بلاده». |
روم لاندرو، محمد الخامس، ترجمة ليلى أبو زيد، شركة النشر والتوزيع المدارس
مراحل من حياته:
أعماله ومؤلفاته :
النص ينتمي إلى مجال القيم الوطنية والإنسانية.
مقطع من سيرة غيرية ذات بعد وطني.
بناء على العنوان وبداية النص ونهايته نفترض أن موضوعه يتناول حدث نفى الأسرة الملكية، ومعاناتهم في المنفى، ثم صمودهم في سبيل الوطن.
ظروف ومراحل نفي محمد الخامس وأسرته، ومعاناتهم المادية والنفسية في المنفى.
يهدف الكاتب إلى تأريخ حدث منفى الملك محمد الخامس الذي تكبد معاناة البعد عن الوطن، من أجل الحرية والاستقلال، معبرا عن صدق وطنيته التي تعد درسا عظيما ونموذجا فريدا في مناهضة الاحتلال والصمود ونكران الذات من أجل مصلحة الوطن والشعب.
يتضمن النص قيمة وطنية وقيمة إنسانية:
نفي الملك محمد الخامس وأسرته الملكية إلى جزيرة كورسيكا في ظروف مفاجئة وقاسية، مما كانت له انعكاسات نفسية ومادية تحملتها الأسرة الملكية، أن قبل يتم نقلها إلى جزيرة مدغشقر تحت إشراف العقيد تويا الذي كان له الفضل في تحسن الظروف نوعا ما، حيث أصبح صديقا للملك محمد الخامس وكان يعامله معاملة إنسانية طيبة. وبالرغم من البعد عن الوطن، كان الملك محمد الخامس يجتهد في تلقي أخبار المغرب والمغاربة الذين يعانون على الأرض تحت وطأة الاحتلال البغيض، كما واصل السلطان نضاله المستميت من أجل الحرية والاستقلال.