إذا نحن بحثنا في تاريخ المغرب، وجدنا أن الوطنية بمعنى الدفاع عن النفس والميل للحرية الفردية والاجتماعية صفة من أطهر الصفات التي امتاز بها المغاربة، في مختلف مراحل حياتهم وتجاربهم التاريخية. فلم تقف أمة من الأمم في وجه الدولة المستعمرة، كمثل ما وقفته أمة المغرب في جميع عصورها. ولقد شهدت بلاد المغرب غزاة أجانب وهجرات من الشرق ومن الغرب، ولكنها استطاعت في كل الأوقات أن تحتفظ بمشخصاتها الوطنية، وتدمج في كيانها الفاتحين والمهاجرين حتى تغمرهم ذهنيتها وأخلاقها وعاداتها، وبذلك حفظت تبلورها الوطني، وكيانها المسدود في وجه كل غاصب مهما كانت قوته عظيمة. وقديما أم المهاجرون الفنيقيون قرطاجة للتجارة، وانتشرت جاليتهم في البلاد وتمغربت، وامتزجت الحضارة السامية بالحضارة المغربية. ولقد كانت الحرب الفنيقية الثانية عنوان الوطنية المتجسمة في أحدث صورها، إذا اجتمع المغاربة قاطبة تحت راية واحدة يذودون عن وطن محدود بحدوده الجغرافية التي يسدها البحر من كل جهاتها، فلا تنفتح إلا عن طريق الصحراء التي ورد منها إخفاء الفنيقيين، ليمهد من بعده للإسلام ووحدة اللسان العربي. وهكذا تجد في تاريخ المغرب القديم صراعا مستمرا بين نفوذ العائلة اللاتينية والعائلة التي تسمى اليوم بالعربية. ولكننا نجد أن النصر كان دائما حليف هذه الحضارة العربية التي تكون الأساس الأصيل لحضارة البحر الأبيض المتوسط، ذلك الأساس الذي يعنى بالمادة بقدر ما يعنى بالروح، وذلك ما يساعد على تكييف الذهنية على مركب هذا الأساس الذي يحس بالقرابة الأصيلة بينه وبين سائر أنحاء العالم العربي. على أن المغرب ظل دائما معتدا بوجوده الخاص، ناشدا مكانه تحت شمس العروبة والإسلام، غير راض أن يكون في مؤخرة القافلة العربية، أو بعيدا عن مركز القيادة منها. فالوطنية المغربية إرث قديم مبثوث في كل الآثار المغربية التي سلمت من عوادي الزمن. وإنك لتجد في كتب ابن جبير وابن خلدون، وفي شعر ابن هانئ، وغيرهم من الأدلة الواضحة على تمسك المغربي بوطنه وحبه لبلاده ما لا تجده في آثار الأمم المعاصرة لهم. وهذه الروح الوطنية هي التي دفعت بأمتنا الى الاستبسال والذود عن حياض الوطن طوال العصور، وصد كل الهجمات الاستعمارية. |
علال الفاسي (الحركات الإستقلالية)، مطبعة الرسالة
زعيم سياسي وأديب مغربي كبير، ارتبط اسمه بالحركة الوطنية والعمل الصحفي، ولد بمدينة فاس سنة 1910
درس بجامعة القرويين
عين وزيرا للدولة في الشؤون الإسلامية
عمل أستاذا بكلية الشريعة التابعة لجامعة القرويين
توفي يوم 13 ماي 1974 برومانيا.
مركب وصفي (الوحدة المغربية) + مركب إضافي (عبر العصور)، تنتمي ألفاظه إلى المجال الوطني.
فيها تعريف للوطنية، وإشارة إلى الأشخاص المتصفين بالوطنية (المغاربة).
تشير إلى أصل الوطنية المغربية (إرث قديم…) وأهميتها (دفعت بأمتنا للاستبسال والذود).
مقالة تفسيرية / حجاجية ذات بعد وطني.
اتصاف المغاربة بالوطنية ومظاهر تشبثهم بها في مختلف العصور.
تميز المغاربة عبر العصور بالوقوف أمام الغزاة وتشبثهم بشخصيتهم الوطنية.
تصدي المغاربة للفنيقين قديما ووقوفهم تحت راية واحدة مظهر من مظاهر رسوخ الوطنية المغربية.
الحضارة العربية الإسلامية أساس الحضارة المغربية.
تشبث المغاربة بخصوصيتهم لم يمنع اعتزازهم بانتمائهم إلى الحضارة العربية الإسلامية.
الحجة الأولى: صدهم للهجمات الاستعمارية.
الحجة الثانية: احتفاظ المغاربة بشخصيتهم الوطنية.
الحجة الثالثة: الوطنية دفعت المغاربة إلى الدفاع عن وطنهم وبذل الغالي والنفيس من أجله.
الوطنية – الدفاع عن النفس – الحرية – تمسك المغربي بوطنه – حبه لبلاده – الروح الوطنية…
تجاربهم التاريخية – الدولة المستعمرة – الفاتحين – الفنيقيون – قرطاجة – الحضارة السامية – تاريخ المغرب – الحضارة العربية – حضارة البحر الأبيض المتوسط – العصور…
ينسجم المعجم الوطني مع الجزء الأول من العنوان (الوحدة المغربية) وينسجم المعجم التاريخي مع جزئه الثاني (عبر العصور)، والملاحظ أن المعجم التاريخي يهيمن على المعجم الوطني، وهذا يدل على أن الكاتب اعتمد حججا تاريخية في الدفاع عن فكرته من خلال تتبع وطنية المغاربة في مختلف العصور التاريخية.
يبرز علال الفاسي حرص المغاربة الدائم على الحفاظ على وحدتهم الترابية وخصوصياتهم المحلية مع الانفتاح على الشعوب والحضارات الأخرى، كما يؤكد على الحضور الكبير للثقافة العربية الإسلامية لدى المغاربة. ومن أجل التأكيد على فكرته والاستدلال على صحتها قدم علال الفاسي مجموعة من الحجج التاريخية التي تثبت صفة الوطنية المتجذرة في المغاربة عبر العصور.
يتضمن النص قيمة وطنية وأخرى تاريخية: تتجلى القيمة الوطنية في وصفة الوطنية التي امتاز بها المغاربة عبر العصور، والتي مكنتهم من الذود عن وطنهم ضد كل الأطماع الإستعمارية، وتتجلى القيمة التاريخية في استعراض علال الفاسي لمختلف المراحل التاريخية للمغرب وتعقب وطنية المغاربة عبر هذه المراحل.